معناه هو تقديم الطائفة الظالمة على الطائفة المظلومة ، لإعدادهم بأنواع النعمات دون الطائفة المغلوبة.
لا يقال : هذه الدنيا تكفي لجزاء الصالحين والطالحين فمن عمل صالحا أعطاه النعم الدنيويّة والعزّة ، ومن عمل سيئا سلب منه النعم ، وابتلاه بالخزي والذلّة ، ومع جزاء كلّ فرقة بما يناسبهم ، لا يلزم التسوية بين المجرمين وغيرهم ، كما لا يلزم تقديم إحدى الطائفتين على الاخرى.
لأنّا نقول : ليس كذلك إذ نرى عدم جزاء كثير من الظالمين والفاسدين والمفسدين بل هم يعيشون إلى آخر عمرهم في غاية العزّة الدنيويّة ، والقدرة ، بخلاف غيرهم فإنّهم في غاية المهانة والصعوبة ، وهو أمر محسوس لا سترة فيه ، هذا مضافا إلى أنّ أعمال المؤمنين والكافرين على درجات مختلفة وقد يكون بعضها ممّا لا يمكن جزاؤه في عالم الدنيا ، كمن يقتل ألف ألف نفس ببعض أنواع الصواريخ ، ومن المعلوم أنّ سلب نعمة الحياة ، أو إعدام هذا القاتل مرّة واحدة لا يكون جزاء إفساده ، كما أن من يحيى النفوس الكثيرة بالمعالجة أو الهداية ، لا يمكن أن يكون جزاؤه هو نعمة الدنيا مع محدوديتها فضلا عن الأنبياء والأولياء الذين لا يمكن تقويم عملهم ، ولا تصلح مثل الدنيا الدنيّة لجزائهم ، لا سيّما محمّدا وآله ، إذ قد فاق بعض دقائق عمرهم على جميع عمر الآخرين ، وقد اشتهر في جوامع الحديث ، أنّ ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين. على أنّ بعض الأعمال في حال الموت وبعده ، فلا يمكن جزاء العامل في الدنيا بعد موته ، كما إذا جاهد المؤمنون مع الكافرين فمن استشهد من المؤمنين لا يمكن جزاؤه ، كما أنّ من هلك من الكافرين لا يمكن جزاؤه ، وكما إذا أسّس سنّة حسنة أو سنّة سيئة ، فحمله بعد الموت يدوم بدوام ما أسّسه مع عدم إمكان جزاء العامل ، فطبع الدنيا لا يليق بكونها جزاء كاملا للعاملين.
لا يقال : هذا صحيح لو كان التناسخ محالا وإلّا يمكن العودة المتكرّرة