عدم ، أو خلف كلّ عمران تخريب ، وإن كان كلّ نيل للتخلية فما يحكم على النظام العالمي إلّا التحرير والضلال ، وتكرار المكررات ، فيقوم وجود كلّ شيء على العدم والباطل» (١).

وقرّره الحكيم المتأله محمّد مهدي النراقي بوجه آخر ، وهو : «أنّا نرى في هذا العالم بعض الناس يطيعون ، وبعضا آخر يعصون ، وبعضهم يحسنون ، وبعضا آخر يسيئون ، وبعضهم يديمون في العبادة والطاعة ، وبعضا آخر يديمون المعاصي والسيئات ، ونرى جمعا في الخيرات والمبرّات ، وجمعا آخر في الظلم والخطيئات.

ونرى طائفة نالوا مقام رضاية الله تعالى ، وفرقة اخرى ذهبوا في الطغيان والضلال ، ونرى طبقة في الإحسان والنصح ، وزمرة في الملاهي والمناهي.

ونرى مع ذلك أنّ الموت يعرض على جميعهم ويفنيهم ، مع عدم نيل كلّ واحد منهم بجزاء عمله ، فلو لم يكن عالم آخر يجزى كلّ واحد بعمله ، لكان خلقة هذا النوع العظيم شأنه عبثا وسفها» (٢) ونحوه كلام الفاضل الشعراني ـ قدس‌سره ـ في ترجمة وشرح تجريد الاعتقاد (٣) فراجع.

وكيف كان فما يخرج خلقة الإنسان عن السفاهة والعبث ، هو وقوع المعاد ، لأن يصل الإنسان إلى نتيجة عمله الذي عمله في الدنيا ، من الاستكمال أو جزائه ، وإليه يؤول قوله تعالى : ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (٤).

فقوله : ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ إشارة إلى أنّ خلقة الإنسان بدون الرجوع والمعاد ليس إلّا عبثا وسفاهة وهي المقدمة الثانية.

وقوله تعالى : ﴿فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ إشارة إلى عدم وقوع العبث منه

__________________

(١) زندگى جاويد

(٢) انيس الموحدين : ص ٢٣٢ ، الطبع الجديد.

(٣) ترجمة وشرح تجريد الاعتقاد : ص ٥٦٤.

(٤) المؤمنون : ١١٥ ـ ١١٦.

۲۸۱۱