قال العلّامة الطباطبائي ـ قدسسره ـ : «إنّ وظيفة الإمام ومسئوليته لم تنحصر في بيان المعارف الإلهية بشكلها الصوري ولم يقتصر على إرشاد الناس من الناحية الظاهرية ، فالإمام فضلا عن تولّيه إرشاد الناس الظاهري يتصف بالولاية والإرشاد الباطني للأعمال أيضا ، وهو الذي ينظم الحياة المعنويّة للناس ، ويتقدم بحقائق الأعمال إلى الله جلّ شأنه ، وبديهي أنّ حضور أو غيبة الإمام الجسماني في هذا المضمار ليس له أي تأثير ، والإمام عن طريق الباطن يتصل بالنفوس ويشرف عليها وإن بعد عن الأنظار ، وخفي عن الأبصار ، فإنّ وجوده لازم دائما وإن تأخّر وقت ظهوره وإصلاحه للعالم (١). بل إتمام الحجّة به على المتمرّدين متوقف على وجوده بخلاف ما إذا لم يكن موجودا فإنّ تعذيب الناس حينئذ قبيح لعدم إتمام الحجة من الله عليهم (٢).
على أنّ غيبته عن الناس لا يستلزم غيبته عن جميع آحادهم ، بل له أن يظهر لبعضهم وإرشاده لهم ، كما ثبت ذلك بالتواتر من الحكايات الواردة في تشرّفهم بخدمته وحلّ مشاكلهم واهتدائهم بهدايته ، كما لا يستلزم غيبته عن الجنّ من الخلق ، مع أنّه إمام لهم فإنّهم أيضا محجوجون بوجوده ـ فبمثل ما ذكر يظهر أنّ لطف وجود الإمام لطف مضاعف ولطف على لطف ، كما هو نور على نور ، وعليه ففوائد وجوده في زمن الغيبة واضحة ، فلا وجه للقول بأنّه لا فائدة لوجوده بعد ما غاب عن الناس ، وهذا أمر اشير إليه في الأخبار أيضا وإليك بعضها :
روى الأعمش عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم
__________________
(١) الشيعة في الاسلام : ص ١٩٩ تعريب جعفر بهاء الدين.
(٢) راجع كتاب سرمايه ايمان : ص ١٥٢.