النائينيّ قدسسره أن يكون مقصوده ذلك كما تقدّم.
أمّا هو ـ أعني شيخنا النائينيّ قدسسره فلم يصرّح بإرادة أيّ من الوجهين الآخرين ، والأنسب ـ في عبارة بعض المقرّرين لبحثه ـ إرادة الوجه الثالث ؛ إذ قال : «إنّه يصحّ ورود النقض على اليقين بعناية المتيقّن» (١).
وعلى كلّ حال ، فالوجه الرابع ـ أعني الاستعمال الكنائي ـ أقرب الوجوه وأولاها ، (٢) وفيه من البلاغة في البيان ما ليس في غيره ، كما أنّ فيه المحافظة على ظهور الأخبار وسياقها في إسناد النقض إلى نفس اليقين ، وقد استظهرنا منها ـ كما تقدّم في المقدّمة الأولى ـ أنّ وثاقة اليقين بما هو يقين هي المقتضية للتمسّك به. وفي الكناية ـ كما هو المعروف ـ بيان للمراد ، مع إقامة الدليل عليه ، فإنّ المراد الاستعماليّ هنا ـ الذي هو حرمة نقض اليقين بالشكّ ـ يكون كالدليل والمستند للمراد الجدّيّ المقصود الأصليّ في البيان ، والمراد الجدّيّ هو لزوم العمل على وفق المتيقّن بلسان النهي عن نقض اليقين.
ثالثا : بعد ما تقدّم ينبغي أن نسأل عن المراد من النقض في الأخبار ، هل المراد النقض الحقيقيّ ، أو النقض العمليّ؟ المعروف أنّ إرادة النقض الحقيقيّ محال ، فلا بدّ أن يراد النقض العمليّ ؛ لأنّ نقض اليقين ـ كما تقدّم ـ ليس تحت اختيار المكلّف ، فلا يصحّ النهي عنه. وعلى هذا بنى الشيخ الأعظم ، وصاحب «الكفاية» وغيرهما قدسسرهم (٣).
ولكنّ التدقيق في المسألة يعطي غير هذا ، [وهو] إنّما يلزم هذا المحذور لو كان النهي عن نقض اليقين مرادا جدّيّا ، أمّا : على ما ذكرناه ـ من أنّه على وجه الكناية ـ فإنّه ـ كما ذكرنا ـ يكون مرادا استعماليّا فقط ، ولا محذور في كون المراد الاستعماليّ ـ في الكناية ـ محالا ، أو كاذبا في نفسه ، إنّما المحذور إذا كان المراد الجدّيّ المكنيّ عنه كذلك.
__________________
(١) هذا حاصل العبارة الموجودة في فوائد الأصول ٤ : ٣٧٤. وإليك نصّ عبارته : «وبالجملة لا إشكال في أنّ العناية المصحّحة لورود النقض على اليقين ...».
(٢) كما هو مختار أستاذه المحقّق الأصفهانيّ ، كما مرّ.
(٣) راجع فرائد الأصول : ٢ : ٥٧٤ ؛ كفاية الأصول : ٤٤٤ ؛ فوائد الأصول ٤ : ٣٧٤.