أقول : إنّ البحث عن هذا الموضوع بجميع أطرافه ، وتعقيب كلّ ما قيل في هذا الشأن من أساتذتنا ، وغيرهم يخرجنا عن طور هذه الرسالة ، (١) فالجدير بنا أن نكتفي بذكر خلاصة ما نراه من الحقّ في المسألة ، متجنّبين الإشارة إلى خصوصيّات الآراء ، والأقوال فيها حدّ الإمكان.
وعليه ، فنقول : ينبغي تقديم مقدّمات قبل بيان المختار ، وهي :
أوّلا : أنّه لا شكّ في أنّ النقض المنهيّ عنه مسند إلى اليقين في لفظ الأخبار ، وظاهرها أنّ وثاقة اليقين من جهة ما هو يقين هي المقتضية للتمسّك به وعدم نقضه في قبال الشكّ الذي هو عين الوهن والتزلزل ، لا سيّما مع التعبير فى بعضها (٢) بقوله عليهالسلام : «لا ينبغي» ، والتعليل في البعض الآخر (٣) بوجود اليقين المشعر بعلّيته للحكم ، كما سبق بيانه في قوله عليهالسلام : «فإنّه على يقين من وضوئه» ، ولا سيّما مع مقابلة اليقين بالشكّ ، ولا شكّ أنّه ليس المراد من الشكّ المشكوك.
وعلى هذا ، فيتّضح جليّا أنّ حمل اليقين على إرادة المتيقّن على وجه يكون الإسناد اللفظي إلى المتيقّن بنحو المجاز في الكلمة ، أو بنحو حذف المضاف خلاف الظاهر منها ، بل خلاف سياقها ، بل مستهجن جدّا ، فيتأيّد ما قاله المعترض. ولذا استعبد شيخنا المحقّق النائينيّ (٤) أن يريد الشيخ الأعظم قدسسره من «المجاز» المجاز في الكلمة ، وهو استبعاد في محلّه. وأبعد منه إرادة حذف المضاف.
ثانيا : أنّه من المسلّم به عند الجميع ـ الذي لا شكّ فيه أيضا ـ أنّ النهي عن نقض اليقين في الأخبار ليس على حقيقته. والسرّ واضح ؛ لأنّ اليقين ـ حسب الفرض ـ منتقض فعلا بالشكّ ، فلا يقع تحت اختيار المكلّف ، فلا يصحّ النهي عنه.
__________________
(١) وإن أردت الاطّلاع عليه فراجع كفاية الأصول : ٤٤٢ ـ ٤٤٥ ؛ نهاية الدراية ٣ : ٥١ ـ ٦٧ ؛ فوائد الأصول ٤ : ٣٧٢ ـ ٣٧٧ ؛ نهاية الأفكار ٤ «القسم الأوّل» : ٧٥ ـ ٨٧.
(٢) وهو صحيحة زرارة الثانية.
(٣) وهو صحيحة زرارة الأولى.
(٤) في فوائد الأصول ٤ : ٣٧٤.