المقام الثاني : في المفاضلة بين المرجّحات
إنّ المرجّحات جملتها ترجع إلى ثلاث نواح ، لا تخرج عنها :
١. ما يكون مرجّحا للصدور ، ويسمّى «المرجّح الصدوريّ» ، ومعنى ذلك أنّ المرجّح يجعل صدور أحد الخبرين أقرب من صدور الآخر. وذلك مثل موافقة المشهور وصفات الراوي. (١)
٢. ما يكون مرجّحا لجهة الصدور ، ويسمّى «المرجّح الجهتيّ» ؛ فإنّ صدور الخبر ـ المعلوم الصدور حقيقة أو تعبّدا ـ قد يكون لجهة الحكم الواقعيّ ، وقد يكون لبيان خلافه لتقيّة ، أو غيرها من مصالح إظهار خلاف الواقع. وذلك مثل ما إذا كان الخبر مخالفا للعامّة ، فإنّه يرجّح ـ في مورد معارضته بخبر آخر موافق لهم ـ أنّ صدوره كان لبيان الحكم الواقعيّ ؛ لأنّه لا يحتمل فيه إظهار خلاف الواقع ، بخلاف الآخر.
٣ ـ ما يكون مرجّحا للمضمون ، ويسمّى : «المرجّح المضمونيّ». وذلك مثل موافقة الكتاب ، والسنّة ؛ إذ يكون مضمون الخبر الموافق أقرب إلى الواقع في النظر.
وقد وقع الكلام في هذه المرجّحات أنّها مترتّبة عند التعارض بينها أو أنّها في عرض واحد؟ على أقوال :
الأوّل : أنّها في عرض واحد ، فلو كان أحد الخبرين المتعارضين واجدا لبعضها ، والخبر الآخر واجدا لبعض آخر ، وقع التزاحم بين الخبرين ، فيقدّم الأقوى مناطا ، فإن لم يكن أحدهما أقوى مناطا تخيّر بينهما ، وهذا هو مختار الشيخ صاحب الكفاية قدسسره (٢).
الثاني : أنّها مترتّبة ، ويقدّم المرجّح الجهتيّ على غيره ، فالمخالف للعامّة أولى بالتقديم على الموافق لهم وإن كان مشهورا. وهذا هو المنسوب إلى الوحيد البهبهانيّ (٣).
__________________
(١) كالأوثقيّة ، والأصدقيّة ، ونحوهما.
(٢) كفاية الأصول : ٥١٧ ـ ٥١٨. ويلزم وقوع التزاحم بين المرجّحات فيما لو كان لأحد الخبرين مزيّة من جهة ، كالشهرة في الرواية ، وللآخر مزيّة أخرى ، كموافقة الكتاب ، وحينئذ يقدّم ما هو أقوى مناطا في القرب إلى الصدور ، ومع تساويهما فالتخيير بينهما.
(٣) هذا القول نسبه المحقّق الخراسانيّ إلى الوحيد البهبهانيّ وبعض أعاظم معاصريه ـ وهو المحقّق الرشتيّ ـ. ـ