الوثوق بأقربيّتها إلى الواقع.
٢. أن تكون الشهرة العمليّة قديمة ـ أي واقعة في عصر الأئمّة عليهمالسلام ، أو العصر الذي يليه الذي تمّ فيه جمع الأخبار وتحقيقها ـ. أمّا : الشهرة في العصور المتأخّرة فيشكل تقوية الرواية بها.
هذا من جهة الترجيح بالشهرة العمليّة في مقام التعارض ، أمّا : من جهة جبر الشهرة للخبر الضعيف ، مع قطع النظر عن وجود ما يعارضه فقد وقع نزاع للعلماء فيه. والحقّ (١) أنّها جابرة له إذا كانت قديمة أيضا ؛ لأنّ العمل بالخبر عند المشهور من القدماء ممّا يوجب الوثوق بصدوره. والوثوق هو المناط في حجّيّة الخبر ـ كما تقدّم ـ ، وبالعكس من ذلك إعراض الأصحاب عن الخبر ؛ فإنّه يوجب وهنه ، وإن كان راويه ثقة ، وكان قويّ السند ، بل كلّما قوي سند الخبر فأعرض عنه الأصحاب كان ذلك أكثر دلالة على وهنه.
وأمّا الثانية : ـ وهي الشهرة في الرواية ـ فإنّ إجماع المحقّقين قائم على الترجيح بها ، وقد دلّت عليه المقبولة المتقدّمة ، وقد جاء فيها «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه». والمقصود من «المجمع عليه» ، المشهور ، بدليل فهم السائل ذلك ؛ إذ عقّبه بالسؤال : «فإن كان الخبران عنكما مشهورين». ولا معنى لأن يراد من الشهرة الإجماع.
وقد يقال (٢) : إنّ شهرة الرواية في عصر الأئمّة عليهمالسلام توجب كون الخبر مقطوع الصدور ، وعلى الأقلّ توجب كونه موثوقا بصدوره. وإذا كان كذلك فالشاذّ المعارض له ، إمّا مقطوع العدم ، أو موثوق بعدمه ، فلا تعمّه أدلّة حجّيّة الخبر. وعليه ، فيخرج اقتضاء الشهرة في الرواية عن مسألة ترجيح إحدى الحجّتين ، بل تكون لتمييز الحجّة عن اللاحجّة.
والجواب (٣) : أنّ الشاذّ المقطوع العدم لا يدخل في مسألتنا قطعا ، وأمّا : الموثوق بعدمه من جهة حصول الثقة الفعليّة بمعارضه فلا يضرّ ذلك في كونه مشمولا لأدلّة حجّيّة الخبر ؛ لأنّ الظاهر كفاية وثاقة الراوي في قبول خبره ، من دون إناطة بالوثوق الفعليّ بخبره.
__________________
(١) كما في فوائد الأصول ٤ : ٧٨٧ ـ ٧٨٩.
(٢) والقائل المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٥٠٩.
(٣) كما في نهاية الدراية ٣ : ٣٧١.