نعم ، إنّ المقبولة ـ التي هي عمدتنا في الباب ، والتي لم نستفد منها الترجيح بالصفات كما تقدّم ـ ذكرت الشهرة أوّلا ، ويظهر منها أنّ الشهرة أكثر أهمّيّة من كلّ مرجّح (١). وأمّا : باقي المرجّحات فقد يقال : لا يظهر من المقبولة الترتيب بينها ، كيف؟ وقد جمعت بينها في الجواب عند ما فرض السائل الخبرين متساويين في الشهرة.
وعلى كلّ حال ، فإنّ استفادة الترتيب بين المرجّحات من الأخبار مشكلة جدّا ، ما عدا تقديم الشهرة على غيرها.
ومنها : أنّه يبتني ـ بعد فرض القول بالتّعدي إلى غير المرجّحات المنصوصة ـ على أنّ القاعدة هل تقتضي تقديم المرجّح الصدوريّ على المرجّح الجهتيّ ، أو بالعكس ، أو لا تقتضي شيئا منهما؟ وعلى التقدير الثالث لا بدّ أن يرجع إلى أقوائيّة المرجّح في الكشف عن مطابقة الخبر للواقع ، فكلّ مرجّح يكون أقوى من هذه الجهة ـ أيّا كان ـ فهو أولى بالتقديم.
وقد أصرّ شيخنا النائينيّ قدسسره (٢) على الأوّل ـ أي إنّه يرى أنّ القاعدة تقتضي تقديم المرجّح الصدوريّ على المرجّح الجهتيّ ـ. وبنى ذلك على كون الخبر صادرا لبيان الحكم الواقعي ، لا لغرض آخر يتفرّع على فرض صدوره حقيقة ، أو تعبّدا ؛ لأنّ جهة الصدور من شئون الصادر ، فما لا صدور له لا معنى للكلام عنه أنّه صادر لبيان الحكم الواقعيّ أو لبيان غيره. وعليه ، فإذا كان الخبر الموافق للعامّة مشهورا وكان الخبر الشاذّ مخالفا لهم كان الترجيح للشهرة ، دون مخالفة الآخر للعامّة ؛ لأنّ مقتضى الحكم بحجّية المشهور عدم حجّيّة الشاذّ ، فلا معنى لحمله على بيان الحكم الواقعي ، ليحمل المشهور على التقيّة ؛ إذ لا تعبّد بصدور الشاذّ حينئذ.
أقول : إنّ المسلّم إنّما هو تأخّر رتبة الحكم بكون الخبر صادرا لبيان الواقع أو لغيره عن الحكم بصدوره حقيقة ، أو تعبّدا ، وتوقّف الأوّل على الثاني ، ولكن ذلك غير المدّعى ، وهو توقّف مرجّح الأوّل على مرجّح الثاني ، فإنّه ليس المسلّم نفس المدّعى ، ولا يلزمه.
أمّا : أنّه ليس نفسه فواضح ؛ لما قلناه من أنّ المسلّم هو توقّف الأوّل على الثاني ، وهو
__________________
(١) كما في فوائد الأصول ٤ : ٧٨٥.
(٢) في فوائد الأصول ٤ : ٧٧٩ ـ ٧٨١.