رفعه ، وما لا ثبات له لا حاجة إلى رفعه. وعلى هذا ، فلا بدّ أن يؤوّل النسخ بمعنى رفع مثل الحكم ، لا رفع عينه ، أو بمعنى انتهاء أمد الحكم».
والجواب : أنّا نختار الشقّ الأوّل ـ وهو أنّ المرفوع ما هو ثابت ـ ، ولكن ليس معنى رفع الثابت رفعه بما هو عليه من حالة الثبوت وحين فرض ثبوته ، حتى يكون ذلك مستحيلا ، بل هو من باب إعدام الموجود ، وليس إعدام الموجود بمستحيل.
والأحكام لمّا كانت مجعولة على نحو القضايا الحقيقيّة فإنّ قوام الحكم يكون بفرض الموضوع موجودا ، ولا يتوقّف على ثبوته خارجا تحقيقا ، فإذا أنشئ الحكم كذلك فهو ثابت في عالم التشريع والاعتبارات بثبوت الموضوع فرضا ، ولا يرتفع إلاّ برفعه تشريعا.
وهذا هو معنى رفع الحكم الثابت ، وهو النسخ.
٢. وقيل : «إنّ ما أثبته الله (تعالى) من الأحكام لا بدّ أن يكون لمصلحة أو مفسدة في متعلّق الحكم. وما له مصلحة في ذاته لا ينقلب ، فيكون ذا مفسدة ، وكذلك العكس ، وإلاّ لزم انقلاب الحسن قبيحا ، والقبيح حسنا ، وهو محال. وحينئذ يستحيل النسخ ؛ لأنّه يلزم منه هذا الانقلاب المستحيل ، أو عدم حكمة الناسخ ، أو جهله بوجه الحكمة. والأخيران مستحيلان بالنسبة إلى الشارع المقدّس».
والجواب واضح ، بعد معرفة ما ذكرناه في الجزء الثاني في المباحث العقليّة من معاني الحسن والقبيح (١) ؛ فإنّ المستحيل انقلاب الحسن والقبيح الذاتيّين ، ولا معنى لقياسهما على المصالح والمفاسد التي تتبدّل وتتغيّر بحسب اختلاف الأحوال والأزمان. ولا يبعد أن يكون الشيء ذا مصلحة في زمان ، ذا مفسدة في زمان آخر وإن كان لا يعلم ذلك إلاّ من قبل الشارع العالم المحيط بحقائق الأشياء. وهذا غير معنى الحسن والقبح اللذين نقول فيهما : إنّه يستحيل فيهما الانقلاب.
مضافا إلى أنّ الأشياء تختلف فيها وجوه الحسن والقبح باختلاف الأحوال ممّا لم يكن (٢) الحسن والقبح فيه ذاتيّين ـ كما تقدّم هناك ـ (٣) ، وإذا كان الأمر كذلك فمن الجائز أن يكون
__________________
(١) راجع المقصد الثاني : ٢٢٦ ـ ٢٢٩.
(٢) قوله : «ممّا لم يكن ...» بيان عن قوله : «الأشياء».
(٣) تقدّم في المقصد الثاني : ٢٣٠.