ومن أجل ذلك وجب البحث عن هذه النواحي لتكميل حجّيّته. وأهمّ ما يجب البحث عنه من ناحية أصوليّة في أمور ثلاثة :
١. في حجّيّة ظواهره. وهذا بحث ينبغي أن يلحق بمباحث الظواهر ، الآتية ، فلنرجئه (١) إلى هناك.
٢. في جواز تخصيصه وتقييده بحجّة أخرى ، كخبر الواحد ونحوه. وقد تقدّم البحث عنه. (٢)
٣. في جواز نسخه. والبحث عن ذلك ليس فيه كثير فائدة في الفقه ، كما ستعرف ، ومع ذلك ينبغي ألاّ يخلو كتابنا من الإشارة إليه بالاختصار ، فنقول :
نسخ الكتاب العزيز
حقيقة النسخ
النسخ اصطلاحا : رفع ما هو ثابت في الشريعة من الأحكام ونحوها.
والمراد من «الثبوت في الشريعة» الثبوت الواقعيّ الحقيقيّ في مقابل الثبوت الظاهريّ بسبب الظهور اللفظيّ. ولذلك ، فرفع الحكم ـ الثابت بظهور العموم أو الإطلاق ـ بالدليل المخصّص أو المقيّد لا يسمّى نسخا ، بل يقال له : «تخصيص» ، أو «تقييد» ، أو نحوهما ، باعتبار أنّ هذا الدليل الثاني المقدّم على ظهور الدليل الأوّل يكون قرينة عليه ، وكاشفا عن المراد الواقعيّ للشارع ، فلا يكون رافعا للحكم إلاّ ظاهرا ، ولا رفع فيه للحكم حقيقة ، بخلاف النسخ.
ومن هنا يظهر الفرق الحقيقيّ بين النسخ وبين التخصيص والتقييد. وسيأتي مزيد إيضاح لهذه الناحية في جواب الاعتراضات على النسخ.
و [أمّا] قولنا : «من الأحكام ونحوها» ، فلبيان تعميم النسخ للأحكام التكليفيّة والوضعيّة ، ولكلّ أمر بيد الشارع رفعه ووضعه بالجعل التشريعيّ بما هو شارع.
__________________
(١) أي : نؤخّره.
(٢) راجع المقصد الأوّل : ١٧٧ ـ ١٧٨.