[متعلّق] الحكم المنسوخ ذا مصلحة ، ثمّ زالت في الزمان الثاني فنسخ ، أو كان ينطبق عليه عنوان حسن ثمّ زال عنه [ذلك] العنوان في الزمان الثاني فنسخ. فهذه هي الحكمة في النسخ.

٣. وقيل : «إذا كان النسخ ـ كما قلتم ـ لأجل انتهاء أمد المصلحة فينتهي أمد الحكم بانتهائها ، فإنّه ـ والحال هذه ـ إمّا أن يكون الشارع الناسخ قد علم بانتهاء أمد المصلحة من أوّل الأمر ، وإمّا أن يكون جاهلا به. لا مجال للثاني ؛ لأنّ ذلك مستحيل في حقّه (تعالى) ، وهو البداء الباطل المستحيل ، فيتعيّن الأوّل. وعليه ، فيكون الحكم في الواقع موقّتا وإن أنشأه الناسخ مطلقا في الظاهر ، ويكون الدليل على النسخ في الحقيقة مبيّنا وكاشفا عن مراد الناسخ. وهذا هو معنى التخصيص ، غاية الأمر يكون تخصيصا بحسب الأوقات لا الأحوال ، فلا يكون فرق بين النسخ والتخصيص إلاّ بالتسمية.»

والجواب : نحن نسلّم أنّ الحكم المنسوخ ينتهي أمده في الواقع ، والله (تعالى) عالم بانتهائه ، ولكن ليس معنى ذلك أنّه موقّت ـ أي مقيّد إنشاء بالوقت ـ بل هو قد أنشئ على طبق المصلحة مطلقا على نحو القضايا الحقيقيّة ، فهو ثابت ما دامت المصلحة ، كسائر الأحكام المنشأة على طبق مصالحها ، فلو قدّر للمصلحة أن تستمرّ لبقي الحكم مستمرّا ، غير أنّ الشارع لمّا علم بانتهاء أمد المصلحة ، رفع الحكم ونسخه وهذا نظير أن يخلق الله (تعالى) الشيء ، ثمّ يرفعه بإعدامه ، وليس معنى ذلك أن يخلقه موقّتا على وجه يكون التوقيت قيدا للخلق والمخلوق بما هو مخلوق ، وإن علم به من الأوّل أنّ أمده ينتهي.

ومن هنا يظهر الفرق ـ جليّا ـ بين النسخ والتخصيص ؛ فإنّه في «التخصيص» يكون الحكم من أوّل الأمر أنشئ مقيّدا ، ومخصّصا ، ولكنّ اللفظ كان عامّا بحسب الظاهر ، فيأتي الدليل المخصّص ، فيكون كاشفا عن المراد ، لا أنّه مزيل ورافع لما هو ثابت في الواقع.

وأمّا : في «النسخ» فإنّه لمّا أنشئ الحكم مطلقا فمقتضاه أن يدوم لو لم يرفعه النسخ ، فالنسخ يكون محوا لما هو ثابت ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ... (١) ، لا أنّ الدوام والاستمرار مدلول لظاهر الدليل بحسب إطلاقه وعمومه ، والمنشأ في الواقع الحكم الموقّت ، ثمّ يأتي

__________________

(١) الرعد (١٣) الآية : ٣٩.

۶۸۸۱