ـ حسب الفرض ـ فإذا أراد أن يعلم ، يعلم بما ذا؟ فلا يعقل حصول العلم لديه بغير متعلّق مفروض الحصول ، وإذا استحال حصول العلم استحال حصول الحكم المعلّق عليه ؛ لاستحالة ثبوت الحكم بدون موضوعه. وهو واضح.
وعلى هذا ، فيستحيل تقييد الحكم بالعلم به. وإذا استحال ذلك ، تعيّن أن يكون الحكم مشتركا بين العالم والجاهل ، ـ أي [القول] بثبوته واقعا في صورتي العلم والجهل ـ ، وإن كان الجاهل القاصر معذورا ، أي إنّه لا يعاقب على المخالفة. وهذا شيء آخر غير نفس عدم ثبوت الحكم في حقّه.
ولكنّه قد يستشكل في استكشاف اشتراك الأحكام من هذا الدليل بما تقدّم منّا في الجزء الأوّل (١) ، من أنّ الإطلاق والتقييد متلازمان في مقام الإثبات ؛ لأنّهما من قبيل العدم والملكة ، فإذا استحال التقييد في مورد استحال معه الإطلاق أيضا. فكيف ـ إذن ـ نستكشف اشتراك الأحكام من إطلاق أدلّتها لامتناع تقييدها بالعلم؟! ، والإطلاق كالتقييد محال بالنسبة إلى قيد العلم في أدلّة الأحكام.
وقد أصرّ شيخنا النائينيّ رحمهالله على امتناع الإطلاق في ذلك ، وقال ـ بما محصّله ـ : إنّه لا يمكن أن نحكم بالاشتراك من نفس أدلّة الأحكام ، بل لا بدّ لإثباته من دليل آخر سمّاه «متمّم الجعل» ، على أن يكون الاشتراك من باب «نتيجة الإطلاق» ، كاستفادة تقييد الأمر العباديّ بقصد الامتثال من دليل ثان متمّم للجعل ، على أن يكون ذلك من باب «نتيجة التقييد» ، وكاستفادة تقييد وجوب الجهر ، والإخفات ، والقصر ، والإتمام بالعلم بالوجوب من دليل آخر متمّم للجعل ، على أن يكون ذلك أيضا من باب «نتيجة التقييد».
وقال ـ بما خلاصته ـ : «يمكن استفادة الإطلاق في المقام من الأدلّة التي ادّعى الشيخ الأنصاريّ تواترها ، فتكون هي المتمّمة للجعل». (٢)
أقول : ويمكن الجواب عن الإشكال المذكور ـ بما محصّله ـ : إنّ هذا الكلام صحيح لو كانت استفادة اشتراك الأحكام متوقّفة على إثبات إطلاق أدلّتها بالنسبة إلى العالم بها ،
__________________
(١) راجع المقصد الأوّل : ٨٦ و ١٨٤.
(٢) انتهى محصّل كلام المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٣ : ١١ ـ ١٢.