ومن هؤلاء من يذهب إلى تصويب المجتهد ؛ إذ يقول : «إنّ كلّ مجتهد مصيب» (١). وسيأتي بيانه في محلّه إن شاء الله (تعالى) في هذا الجزء (٢).
وعن الشيخ الأنصاريّ رحمهالله (٣) ، وعن غيره أيضا ـ كصاحب الفصول رحمهالله (٤) ـ : أنّ أخبارنا متواترة معنى في اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل. وهو كذلك. والدليل على هذا الاشتراك ـ مع قطع النظر عن الإجماع وتواتر الأخبار ـ واضح ، وهو أن نقول :
١. إنّ الحكم لو لم يكن مشتركا لكان مختصّا بالعالم به ؛ إذ لا يجوز أن يكون مختصّا بالجاهل به ، وهو واضح.
٢. وإذا ثبت أنّه مختصّ بالعالم به فإنّ معناه تعليق الحكم على العلم به.
٣. ولكن تعليق الحكم على العلم به محال ؛ لأنّه يلزم منه الخلف.
٤. إذن يتعيّن أن يكون مشتركا بين العالم والجاهل.
بيان لزوم الخلف أنّه لو كان الحكم معلّقا على العلم به ، كوجوب الصلاة ـ مثلا ـ ، فإنّه يلزم ـ بل هو نفس معنى التعليق ـ عدم الوجوب لطبيعيّ الصلاة ؛ إذ الوجوب يكون حسب الفرض للصلاة المعلومة الوجوب بما هي معلومة الوجوب ، بينما أنّ تعلّق العلم بوجوب الصلاة لا يمكن فرضه إلاّ إذا كان الوجوب متعلّقا بطبيعيّ الصلاة. فما فرضناه متعلّقا بطبيعيّ الصلاة لم يكن متعلّقا بطبيعيّها ، بل بخصوص المعلومة الوجوب. وهذا هو الخلف المحال.
وببيان آخر في وجه استحالة تعليق الحكم على العلم به ، نقول :
إنّ تعليق الحكم على العلم به يستلزم المحال ، وهو استحالة العلم بالحكم ، والذي يستلزم المحال محال ، فيستحيل نفس الحكم. وذلك لأنّه قبل حصول العلم لا حكم
__________________
(١) وهذا مذهب جماعة من الأشاعرة والمعتزلة ، كالقاضي أبي بكر ، والشيخ الأشعريّ ، والجبّائي ، وابنه ، وأبي الهذيل ، راجع الإحكام (للآمدي) ٤ : ٢٤٦ ؛ فواتح الرحموت (المطبوع بهامش المستصفى ٢ : ٣٨٠).
(٢) يأتي في المبحث الرابع عشر : ٤٠٢ ـ ٤٠٣.
(٣) فرائد الأصول ١ : ٤٤.
(٤) راجع الفصول الغرويّة : ٤٢٩. إلاّ أنّه لم يصرّح بتواتر الأخبار في الاشتراك ، بل يظهر ذلك من بعض كلماته ، فراجع كلماته في الفصول : ٤٢٧ ـ ٤٣٣.