ولأجل هذا السؤال المحرّج سلك الأصوليّون عدّة طرق للجواب عنه ، وتصحيح جعل حجّيّة الأمارات. وسيأتي بيان هذه الطرق والصحيح منها في المبحث (١٢) (١).
وغرضنا من ذكر هذا التنبيه هو أنّ هذا التصحيح شاهد على ما أردنا الإشارة إليه هنا ، من أنّ موطن حجّيّة الأمارات وموردها ما هو أعمّ من فرض التمكّن من تحصيل العلم وانفتاح بابه ومن فرض انسداد بابه.
ومن هنا نعرف وجه المناقشة في استدلال بعضهم على حجّيّة خبر الواحد ، بالخصوص بدليل انسداد باب العلم ، كما صنع صاحب المعالم (٢) ، فإنّه لمّا كان المقصود إثبات حجّيّة خبر الواحد في نفسه ـ حتى مع فرض انفتاح باب العلم ـ لا يبقى معنى للاستدلال على حجّيّته بدليل الانسداد.
على أنّ دليل الانسداد إنّما يثبت به حجّيّة مطلق الظنّ من حيث هو ظنّ ـ كما سيأتي بيانه (٣) ـ ، فلا يثبت به حجّيّة ظنّ خاصّ بما هو ظنّ خاصّ.
نعم ، استدلّ بعضهم (٤) على حجّيّة خبر الواحد بدليل الانسداد الصغير ، ولا يبعد صحّة ذلك ، ويعنون به انسداد باب العلم في خصوص الأخبار التي بأيدينا التي نعلم على الإجمال بأنّ بعضها موصل إلى الواقع ومحصّل له ، ولا يتميّز الموصل إلى الواقع من غيره ، مع انحصار السنّة في هذه الأخبار التي بأيدينا ؛ وحينئذ نلتجئ إلى الاكتفاء بما يفيد الظنّ والاطمئنان من هذه الأخبار ، وهذا ما نعنيه بخبر الواحد.
والفرق بين دليل الانسداد الكبير والصغير (٥) أنّ الكبير هو انسداد باب العلم في جميع
__________________
(١) يأتي في الصفحة : ٣٩٧.
(٢) معالم الدين : ٢١١.
(٣) يأتي في المبحث الآتي.
(٤) ولعلّه هو الشيخ الأعظم الأنصاريّ في البحث عن حجّيّة كلام اللغوي في فرائد الأصول ١ : ٧٦. ولكن أجاب عنه في البحث عن حجّيّة خبر الواحد في فرائد الأصول ١ : ١٧٢ ـ ١٧٣.
(٥) وقد يقرّر الفرق بينهما بوجوه أخر :
منها : ما اختاره المحقّق النائينيّ ، وحاصله أنّ استفادة الحكم الشرعيّ من الخبر تتوقّف على أمور : ـ