ونحن نذكر بالاختصار هذه المقدّمات :
١. المقدّمة الأولى : دعوى انسداد باب العلم والعلميّ في معظم أبواب الفقه في عصورنا المتأخّرة عن عصر أئمّتنا عليهمالسلام. وقد علمت أنّ أساس المقدّمات كلّها هي هذه المقدّمة ، وهي دعوى قد ثبت عندنا عدم صحّتها ؛ لثبوت انفتاح باب الظنّ الخاصّ ، بل العلم في معظم أبواب الفقه ، فانهار (١) هذا الدليل من أساسه.
٢. المقدّمة الثانية : أنّه لا يجوز إهمال امتثال الأحكام الواقعيّة المعلومة إجمالا ، ولا يجوز طرحها في مقام العمل. وإهمالها وطرحها يقع بفرضين : إمّا بأن نعتبر أنفسنا كالبهائم والأطفال لا تكليف علينا ؛ وإمّا بأن نرجع إلى أصالة البراءة ، وأصالة عدم التكليف في كلّ موضع لا يعلم وجوبه وحرمته. وكلا الفرضين ضروريّ البطلان.
٣. المقدّمة الثالثة : أنّه بعد فرض وجوب التعرّض للأحكام المعلومة إجمالا فإنّ الأمر لتحصيل فراغ الذمّة منها يدور بين حالات أربع ، لا خامسة لها :
أ : تقليد من يرى انفتاح باب العلم.
ب : الأخذ بالاحتياط في كلّ مسألة.
ج : الرجوع إلى الأصل العمليّ الجاري في كلّ مسألة ، من نحو البراءة ، والاحتياط ، والتخيير والاستصحاب ، حسبما يقتضيه حال المسألة.
د : الرجوع إلى الظنّ في كلّ مسألة فيها ظنّ بالحكم ، وفيما عداها يرجع إلى الأصول العمليّة.
ولا يصحّ الأخذ بالحالات الثلاث الأولى ، فتتعيّن الرابعة.
أمّا الأولى : ـ وهي تقليد الغير في انفتاح باب العلم ـ فلا يجوز ؛ لأنّ المفروض أنّ المكلّف يعتقد بالانسداد ، فكيف يصحّ له الرجوع إلى من يعتقد بخطئه وأنّه على جهل؟!.
وأمّا الثانية : ـ وهي الأخذ بالاحتياط ـ فإنّه يلزم منه العسر والحرج الشديدان ، بل يلزم اختلال النظام لو كلّف جميع المكلّفين بذلك.
وأمّا الثالثة : ـ وهي الأخذ بالأصل الجاري ـ فلا يصحّ أيضا ؛ لوجود العلم الإجماليّ
__________________
(١) انفعال من (هـ. و. ر) أي : انهدم وسقط.