لانسلاخ القطع عنده ، وانقلابه إلى الظنّ ، فما فرض أنّه قطع لا يكون قطعا ، وهو خلف محال.
وهذا الكلام لا ينافي أن يحتمل الإنسان ، أو يقطع أنّ بعض علومه على الإجمال ـ غير المعيّن في نوع خاصّ ، ولا في زمن من الأزمنة ـ كان على خطأ ، فإنّه بالنسبة إلى كلّ قطع فعليّ بشخصه لا يتطرّق إليه الاحتمال بخطئه ، وإلاّ لو اتّفق له ذلك لانسلخ عن كونه قطعا جازما.
نعم ، لو احتمل خطأ أحد علوم محصورة ومعيّنة في وقت واحد فإنّه لا بدّ أن ينسلخ كلّها عن كونها اعتقادا جازما ؛ فإنّ بقاء قطعه في جميعها وتطرّق احتمال خطأ واحد منها لا على التعيين ، لا يجتمعان.
والخلاصة أنّ القطع يستحيل جعل الطريقيّة له [جعلا] تكوينيّا وتشريعيّا ، ويستحيل نفيها عنه ، مهما كان السبب الموجب له [ولو كان من خفقان جناح أو مرور هواء]. (١)
وعليه ، فلا يعقل التصرّف فيه بأسبابه ، كما نسب ذلك إلى بعض الأخباريّين من حكمهم بعدم جواز الأخذ بالقطع إذا كان سببه من مقدّمات عقليّة ، (٢) وقد أشرنا إلى ذلك في الجزء الثاني (٣).
وكذلك لا يمكن التصرّف فيه من جهة الأشخاص ، بأن يعتبر قطع شخص ولا يعتبر قطع آخر ، كما قيل بعدم الاعتبار بقطع القطّاع (٤) قياسا على كثير الشكّ الذي حكم شرعا
__________________
(١) ما بين المعقوفين موجود في «س».
(٢) ولعلّ المراد من «بعض الأخباريّين» هو الشيخ الأمين الاسترآبادي في الفوائد المدنيّة : ١٢٨ ـ ١٣١ ، والعلاّمة البحرانيّ في الحدائق الناضرة ١ : ١٢٥ ـ ١٣٣.
ولكن لم أعثر على من نسبه إليهم صريحا. والشيخ الأنصاريّ إنّما نقل النسبة إليهم وقال : «وينسب إلى غير واحد من أصحابنا الأخباريّين ...». بل المحقّق الخراسانيّ أنكر نسبته إليهم ، وقال : «وإن نسب إلى بعض الأخباريّين أنّه لا اعتبار بما إذا كان بمقدّمات عقليّة ، إلاّ أنّ مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة ، بل تشهد بكذبها ...» راجع كلامهما في فرائد الأصول ١ : ١٥ ، وكفاية الأصول : ٣١١.
(٣) راجع الجزء الثاني : ٢٤٧ ـ ٢٤٨.
(٤) ككاشف الغطاء ، حيث قال : «وكذا من خرج عن العادة في قطعه أو في ظنّه فيلغو اعتبارهما في حقّه». كشف الغطاء : ٦١.