التعبير بوجوب متابعة القطع إلى معنى كون القطع بنفسه طريقا إلى الواقع ، وأنّ نفسه نفس انكشاف الواقع ، فالجهتان فيه جهة واحدة في الحقيقة.
وهذا هو السرّ في تعليل الشيخ الأعظم الأنصاريّ رحمهالله لوجوب متابعته بكونه (١) طريقا بذاته ، ولم يتعرّض في التعليل لنفس الوجوب. ومن أجل هذا ركز البحث كلّه على طريقيّته الذاتيّة.
ويظهر لنا ـ حينئذ ـ أنّه لا معنى لأن يقال في تعليل حجّيّته الذاتيّة : «إنّ وجوب متابعته أمر ذاتيّ له».
وإذا اتّضح ما تقدّم وجب علينا توضيح معنى كون القطع طريقا ذاتيّا ، وهو كلّ البحث عن حجّيّة القطع ، وما وراءه من الكلام فكلّه فضول ، وعليه فنقول :
تقدّم أنّ القطع حقيقته انكشاف الواقع ؛ لأنّه حقيقة نوريّة محضة لا غطش (٢) فيها ، ولا احتمال للخطإ يرافقها ؛ فالعلم نور لذاته [و] نور لغيره ، فذاته نفس الانكشاف (٣) لا أنّه شيء له الانكشاف. (٤)
وقد عرفتم في مباحث الفلسفة أنّ الذات أو الذاتيّ يستحيل جعله بالجعل التأليفيّ ؛ (٥) لأنّ جعل شيء لشيء إنّما يصحّ أن يفرض فيما يمكن فيه التفكيك بين المجعول والمجعول له. وواضح أنّه يستحيل التفكيك بين الشيء وذاته ـ أي بين الشيء ونفسه ـ وكذا بينه وبين ذاتيّاته. وهذا معنى قولهم المشهور : «الذاتيّ لا يعلّل» (٦) وإنّما المعقول من
__________________
(١) أي القطع. واختلفت كلمات المتأخّرين في معنى وجوب متابعة القطع ، فراجع الحاشية على الرسائل «للمحقّق الخراسانيّ» : ٤ ؛ نهاية الدراية ٢ : ٣١ ؛ نهاية الأفكار ٣ : ٧ ؛ فوائد الأصول ٣ : ٦.
(٢) الغطش : الظلمة.
(٣) كما قال به المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٣ : ٦ ـ ٧ ، والمحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية ٢ : ٣١ ، والعلاّمة العراقيّ في نهاية الأفكار ٣ : ٦.
(٤) كما يظهر من كلام المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٢٩٧.
(٥) اعلم أنّ الجعل قسمان :
الأوّل : الجعل البسيط وهو مفاد «كان» التامّة ، أي جعل الشيء وإيجاده ، كجعل الإنسان.
الثاني : الجعل التأليفيّ وهو مفاد «كان» الناقصة ، أي جعل الشيء شيئا ، كجعل الإنسان كاتبا.
(٦) كما قال الحكيم السبزواريّ : «ذاتيّ شيء لم يكن معلّلا». شرح المنظومة (قسم المنطق) : ٢٩.