جعل القطع هو جعله بالجعل البسيط ، أي خلقه وإيجاده.

وعليه ، فلا معنى لفرض جعل الطريقيّة للقطع جعلا تأليفيّا ، بأيّ نحو فرض للجعل ، سواء كان جعلا تكوينيّا أم جعلا تشريعيّا ؛ فإنّ ذلك مساوق لجعل القطع لنفس القطع ، وجعل الطريق لذات الطريق.

وعلى تقدير التنزّل عن هذا والقول مع من قال : «إنّ القطع شيء له الطريقيّة والكاشفيّة عن الواقع» ـ كما وقع في تعبيرات بعض الأصوليّين المتأخّرين عن الشيخ (١) ـ فعلى الأقلّ تكون الطريقيّة من لوازم ذاته ، التي لا تنفكّ عنه ، كالزوجيّة بالنسبة إلى الأربعة. ولوازم الذات كالذات يستحيل أيضا جعلها بالجعل التأليفيّ على ما هو الحقّ ، وإنّما يكون جعلها بنفس جعل الذات جعلا بسيطا ، لا بجعل آخر وراء جعل الذات. وقد أوضحنا ذلك في مباحث الفلسفة (٢).

وإذا استحال جعل الطريقيّة للقطع استحال نفيها عنه ؛ لأنّه كما يستحيل جعل الذات ولوازمها يستحيل نفي الذات ولوازمها عنها ، وسلبها بالسلب التأليفيّ ؛ بل نحن إنّما نعرف استحالة جعل الذات والذاتيّ ولوازم الذات بالجعل التأليفيّ ؛ لأنّا نعرف أوّلا امتناع انفكاك الذات عن نفسها ، وامتناع انفكاك لوازمها عنها ، كما تقدّم بيانه.

على أنّ نفي الطريقيّة عن القطع يلزم منه التناقض بالنسبة إلى القاطع وفي نظره ، فإنّه ـ مثلا ـ حينما يقطع بأنّ هذا الشيء واجب ، يستحيل عليه أن يقطع ثانيا بأنّ هذا القطع ليس طريقا موصلا إلى الواقع ؛ فإنّ معنى هذا أن يقطع ثانيا بأنّ ما قطع بأنّه واجب ليس بواجب مع فرض بقاء قطعه الأوّل على حاله. وهذا تناقض بحسب نظر القاطع ووجدانه ، يستحيل أن يقع منه ، حتّى لو كان في الواقع على خطأ في قطعه الأوّل ، ولا يصحّ هذا إلاّ إذا تبدّل قطعه وزال ، وهذا شيء آخر غير ما نحن في صدده.

والحاصل أنّ اجتماع القطعين بالنفي والإثبات محال ، كاجتماع النفي والإثبات ، بل يستحيل في حقّه حتّى احتمال أنّ قطعه ليس طريقا إلى الواقع ؛ فإنّ هذا الاحتمال مساوق

__________________

(١) منهم المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٢٩٧.

(٢) راجع الفلسفة الإسلاميّة للمظفّر (الدرس الحادي عشر) : ٣١ ، ٣٢.

۶۸۸۱