ولو كان الموضوع هي الأدلّة بما هي هي ـ كما ذهب إليه صاحب الفصول ـ لما كان معنى لتخصيصه بخصوص الأربعة ، ولوجب تعميمه لكلّ ما يصلح أن يبحث عن دليليّته ، وإن ثبت بعد البحث أنّه ليس بدليل.
والخلاصة أنّه إمّا أن نخصّص الموضوع بالأدلّة الأربعة فيجب أن نلتزم بما التزم به صاحب القوانين ، فتخرج مباحث هذا المقصد الثالث عن علم الأصول ، وإمّا أن نعمّم الموضوع ـ كما هو الصحيح ـ لكلّ ما يصلح أن يدّعى أنّه دليل فلا يختصّ بالأربعة ، وحينئذ يصحّ أن نلتزم بما التزم به صاحب الفصول ، وتدخل مباحث هذا المقصد في مسائل العلم.
فالالتزام بأنّ الموضوع هي [الأدلّة] الأربعة فقط ، ثمّ الالتزام بأنّها بما هي هي ، لا يجتمعان. (١)
وهذا (٢) أحد الشواهد على تعميم موضوع علم الأصول لغير الأدلّة الأربعة ، وهو الذي نريد إثباته هنا. وقد سبقت الإشارة إلى ذلك. (٣)
والنتيجة أنّ الموضوع ـ الذي يبحث عنه في هذا المقصد ـ هو «كلّ شيء يصلح أن يدّعى أنّه دليل وحجّة» ، فيعمّ البحث كلّ ما [يصلح أن] يقال : إنّه حجّة ، فيدخل فيه البحث عن حجّيّة خبر الواحد ، والظواهر ، والشهرة ، والإجماع المنقول ، والقياس ، والاستحسان ، ونحو ذلك ، بالإضافة إلى البحث عن أصل الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والعقل.
فما ثبت أنّه حجّة من هذه الأمور أخذنا به ، وما لم يثبت طرحناه.
كما يدخل فيه أيضا البحث عن مسألة التعادل والتراجيح ؛ لأنّ البحث فيها ـ في الحقيقة ـ عن تعيين ما هو حجّة ودليل من بين المتعارضين ، فتكون المسألة من مسائل مباحث الحجّة.
__________________
(١) قوله : «لا يجتمعان» خبر للالتزامين.
(٢) أي عدم اجتماع الالتزامين.
(٣) راجع المقصد الأوّل : ٢١.