ولو سُلّم عدمُ الصدق إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع، فهو غير ضائرٍ، بعدَ تمكّنه من الترك - ولو على نحو هذه السالبة -، ومن الفعل بواسطة تمكّنه ممّا هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة، فيوقع نفسَه - بالاختيار - في المهلكة، أو يدخل الدار، فيعالج بشرب الخمر، ويتخلّص بالخروج، أو يختار تركَ الدخول والوقوعِ فيها (١)، لئلّا يحتاج إلى التخلّص والعلاج.
إن قلت: كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعاً عنه شرعاً، ومعاقباً عليه عقلاً (٢)، مع بقاء ما يتوقّف عليه على وجوبه، ووضوح سقوط الوجوب (٣) مع امتناع المقدّمة المنحصرة، ولو كان بسوء الاختيار، والعقلُ قد استقلّ بأنّ الممنوع شرعاً كالممتنع عادةً أو عقلاً ؟
قلت: أوّلاً: إنّما كان الممنوع كالممتنع، إذا لم يحكم العقل بلزومه، إرشاداً إلى ما هو أقلّ المحذورين، وقد عرفت لزومَه بحكمه ؛ فإنّه مع لزوم الإتيان بالمقدّمة عقلاً، لا بأس في بقاء (٤) ذي المقدّمة على وجوبه، فإنّه حينئذٍ ليس من التكليف بالممتنع، كما إذا كانت المقدّمة ممتنعة.
وثانياً: لو سلّم، فالساقط إنّما هو الخطاب فعلاً بالبعث والإيجاب، لا لزوم إتيانه عقلاً ؛ - خروجاً عن عهدة ما تنجّز عليه سابقاً - ؛ ضرورة أنّه لو لم يأتِ به لوقع في المحذور الأشدّ، ونقضِ الغرض الأهمّ ؛ حيث إنّه الآن كما
__________________
(١) أثبتنا المصحّح في « ن »، وفي سائر الطبعات: فيهما.
(٢) الأولى أن يقال: « ومستحقاً عليه العقاب عقلاً » ؛ لأنّ العقل يحكم باستحقاق العقاب، وأما العقوبة الفعليّة التكوينيّة فهي فعل الشارع دون العقل. ( منتهى الدراية ٣: ١٧٠ ).
(٣) أثبتنا المصحّح في « ن »، وفي بعض الطبعات: لسقوط الوجوب.
(٤) الأولى:... لا بأس ببقاء. ( منتهى الدراية ٣: ١٧٢ ).