ولزومُ التفكيك بين الوجوبين مع الشكّ لا محالة ؛ - لأصالة عدم وجوب المقدّمة مع وجوب ذي المقدّمة - لا ينافي الملازمة بين الواقعيّين (١)، وإنّما ينافي الملازمة بين الفعليّين.
نعم، لو كانت الدعوى هي الملازمة المطلقة حتّى في المرتبة الفعليّة، لما صحّ التمسّك بالأصل (٢)، كما لا يخفى.
الاستدلال على وجوب المقدّمة
إذا عرفت ما ذكرنا: فقد تصدّى غير واحد من الأفاضل لإقامة البرهان على الملازمة، وما أتى منهم بواحدٍ خالٍ عن الخلل.
والأولى: إحالة ذلك إلى الوجدان ؛ حيث إنّه أقوى شاهدٍ على أنّ الإنسان إذا أراد شيئاً له مقدّمات، أراد تلك المقدّمات لو التفت إليها، بحيث ربّما يجعلها في قالب الطلب مثله، ويقول مولويّاً: « ادخل السوق واشتر اللحم » - مثلاً - ؛ بداهَة أنّ الطلب المُنشأ بخطاب: « ادخلْ » مثل المُنشأ بخطاب « اشترْ » في كونه بعثاً مولويّاً، وأنّه حيث تعلّقت إرادته بإيجاد عبده الاشتراء، ترشّحت منها له إرادة أُخرى بدخول السوق، بعد الالتفات إليه، وأنّه يكون مقدّمةً له، كما لا يخفى.
ويؤيّد (٣) الوجدانَ - بل يكون من أوضح البرهان -: وجودُ الأوامر الغيريّة
__________________
(١) في « ق » و « ش »: الواقعين.
(٢) في « ش »: « لصحّ التمسك بذلك في إثبات بطلانها ». وأدرج ما أثبتنا أعلاه في الهامش. قال المحقّق الشيخ علي القوچاني: الثابت بحسب الدورة الأخيرة قوله: « لما صحّ » وعرفت وجه عدم جريان الأصل في الحاشية السابقة، ولكن بحسب مباحثتي مع المصنّف ( طاب ثراه ) تسلّم أنّه يصحّ ثبت قوله: « لصحّ » أي: لصحّ التمسك بالأصل في إثبات بطلان الملازمة... ( كفاية الأُصول مع حاشية الشيخ علي القوچاني: ١١٠ )، وراجع أيضاً نهاية الدراية ٢: ١٦٨ - ١٦٩.
(٣) هذا التأييد ذكره الميرزا الشيرازي، انظر تقريرات الميرزا الشيرازي للعلّامة الروزدري ١: ٣٥٩.