وأمّا ترتّب الواجب، فلا يعقل أن يكون الغرضَ الداعي إلى إيجابها والباعثَ على طلبها ؛ فإنّه ليس بأثر تمام المقدّمات - فضلاً عن إحداها - في غالب الواجبات ؛ فإنّ الواجب - إِلّا ما قلَّ - في الشرعيّات والعرفيّات فعلٌ اختياريٌّ يختار المكلّف تارةً إتيانه بعدَ وجود تمام مقدّماته، وأُخرى عدمَ إتيانه، فكيف يكون اختيار إتيانه (١) غرضاً من إيجاب كلّ واحدة من مقدّماته، مع عدم ترتّبه على تمامها (٢)، فضلاً عن كلّ واحدة منها ؟
نعم، في ما كان الواجب من الأفعال التسبيبيّة والتوليديّة، كان مترتّباً - لا محالة - على تمام مقدّماته ؛ لعدم تخلّف المعلول عن علّته.
ومن هنا قد انقدح: أنّ القول بالمقدّمة الموصلة يستلزم إنكارَ وجوب المقدّمة في غالب الواجبات، والقولَ بوجوب خصوص العلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليديّة.
فإن قلت: ما من واجب إلّا وله علّة تامّة ؛ ضرورةَ استحالة وجود الممكن بدونها، فالتخصيص بالواجبات التوليديّة بلا مخصِّص.
قلت: نعم، وإن استحال صدور الممكن بلا علّة، إلّا أنّ مبادئ اختيار الفعل الاختياريّ من أجزاء علّته، وهي لا تكاد تتّصف بالوجوب ؛ لعدم كونها بالاختيار، وإلّا لتسلسل، كما هو واضح لمن تأمّل.
الإشكال الثاني
ولأنّه لو كان معتبراً فيه الترتّب لما كان الطلب يسقط بمجرّد الإتيان بها، من دون انتظارٍ لترتّب الواجب عليها، بحيث لا يبقى في البين إلّا طلبُه
__________________
(١) الأولى أن يقال: فكيف يكون ترتّب ذي المقدّمة على المقدّمة غرضاً. راجع منتهى الدراية ٢: ٣٠٣.
(٢) في حقائق الأُصول ومنتهى الدراية: على عامّتها.