وأمّا الثاني : فالتعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم إمكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ـ كاستصحاب وجوب أمرين حدث بينهما التضادّ في زمان الاستصحاب ـ فهو من باب تزاحم الواجبين (١).
وإن كان مع العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ، فتارة يكون المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعيّة لمستصحب الآخر ، فيكون الشكّ فيه مسبّبا عن الشكّ فيه ، كالشكّ في نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة وقد كان طاهرا ، واخرى لا يكون كذلك ؛ فإن كان أحدهما أثرا للآخر ، فلا مورد إلّا للاستصحاب في طرف السبب ، فإنّ الاستصحاب في طرف المسبّب موجب لتخصيص الخطاب (٢) وجواز نقض اليقين بالشكّ في طرف السبب بعدم ترتيب أثره الشرعيّ ، فإنّ من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع نجاسته ، فاستصحاب نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته ؛ بخلاف استصحاب طهارته ، إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة الثوب بالشكّ ، بل باليقين بما هو رافع لنجاسته ، وهو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته.
وبالجملة : فكلّ من السبب والمسبّب وإن كان موردا للاستصحاب ، إلّا أنّ الاستصحاب في الأوّل بلا محذور ، بخلافه في الثاني ، ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلّا بنحو محال ؛ فاللازم الأخذ بالاستصحاب السببيّ (٣).
__________________
(١) فيتخيّر بينهما إن لم يكن أحد المستصحبين أهمّ ، وإلّا فيتعيّن الأخذ بالأهمّ. ولا مجال لتوهّم أنّه لا يكاد يكون هناك أهمّ ، لأجل أنّ إيجابهما إنّما يكون من باب واحد ، وهو استصحابهما من دون مزيّة في أحدهما أصلا كما لا يخفى. وذلك لأنّ الاستصحاب إنّما يتبع المستصحب. فكما يثبت به الوجوب والاستحباب يثبت به كلّ مرتبة منهما فتستصحب ، فلا تغفل ، منه [أعلى الله مقامه].
(٢) أي : خطاب «لا تنقض اليقين بالشكّ».
(٣) وسرّ ذلك أنّ رفع اليد عن اليقين في مورد السبب يكون فردا لخطاب «لا تنقض اليقين» ونقضا لليقين بالشكّ مطلقا بلا شكّ ، بخلاف رفع اليد عن اليقين في مورد المسبّب ، فإنّه إنّما يكون فردا له إذا لم يكن حكم حرمة النقض يعمّ النقض في مورد السبب ، وإلّا لم يكن بفرد له ، إذ حينئذ يكون من نقض اليقين باليقين ، ضرورة أنّه يكون رفع اليد عن نجاسة الثوب ـ