فإنّه يقال : ذلك إنّما هو لأجل أنّه لا محذور في الأخذ بدليلها ؛ بخلاف الأخذ بدليله ، فإنّه يستلزم تخصيص دليلها بلا مخصّص إلّا على وجه دائر ، إذ التخصيص به (١) يتوقّف على اعتباره معها (٢) ، واعتباره كذلك يتوقّف على التخصيص به ، إذ لولاه لا مورد له معها ، كما عرفت آنفا (٣).
وأمّا حديث الحكومة (٤) : فلا أصل له أصلا ، فإنّه لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله إثباتا وبما هو مدلول الدليل ، وإن كان دالّا على إلغائه معها ثبوتا وواقعا ، لمنافاة لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها ، كما أنّ قضيّة دليله إلغاؤها كذلك (٥) ، فإنّ كلّا من الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل ، فيطرد كلّ منهما الآخر مع المخالفة ، هذا. مع لزوم اعتباره معها في صورة الموافقة ، ولا أظنّ أن
__________________
ـ لليقين باليقين بناء على حجّيّة دليل الأمارة في مورد الاستصحاب ، وهو أوّل الكلام ، بل يمكن الأخذ بدليل الاستصحاب في مورد الاستصحاب ، فالأخذ بدليل الأمارة في مورده محتاج إلى مرجّح ، وهو مفقود في المقام.
(١) أي : تخصيص دليل الأمارة بدليل الاستصحاب.
(٢) أي : اعتبار الاستصحاب مع الأمارة.
(٣) والحاصل : أنّ الأخذ بدليل الاستصحاب في مورد الأمارة يستلزم إمّا تخصيص دليل الأمارة بلا مخصّص ، وإمّا تخصيصه بوجه دائر ، إذ مخصّصيّة دليل الاستصحاب لعموم دليل الأمارة موقوفة على حجّيّة الاستصحاب مع وجود الأمارة ، وحجّيته معها موقوفة على مخصّصيّة دليله لدليل الأمارة.
أمّا توقّف المخصّصيّة على الحجّيّة : فلأنّ التخصيص تصرّف في الدليل العامّ ، والمتصرّف في الدليل لا بدّ وأن يكون حجّة كي يصلح للتصرّف فيه.
وأمّا توقّف الحجّيّة على المخصّصيّة : فلأنّه لو لم يخصّص دليل الاستصحاب عموم دليل الأمارة كانت الأمارة يقينا تعبّديّا ، فترفع موضوع الاستصحاب.
(٤) هذا ما اختاره الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٣ : ٣١٤. وتبعه أكثر الأعلام من المتأخّرين ، منهم الأعلام الثلاثة والسيّدان العلمان والسيّد الحكيم ، راجع فوائد الاصول ٣ : ٥٩٦ ، نهاية الأفكار ٤ (القسم الثاني) : ١٨ ـ ١٩ ، نهاية الدراية ٣ : ٢٨٤ ـ ٢٨٨ ، الرسائل (للإمام الخمينيّ) ١ : ٢٤٢ ، مصباح الاصول ٣ : ٢٥٠ ، حقائق الاصول ٢ : ٥٣٥ ـ ٥٣٦.
(٥) أي : ثبوتا وواقعا.