وإن لم يحرز ثبوته فيما رتّب عليه أثر شرعا أو عقلا؟ إشكال : من عدم إحراز الثبوت ، فلا يقين ولا بدّ منه ، بل ولا شكّ ، فإنّه على تقدير لم يثبت ؛ ومن أنّ اعتبار اليقين إنّما هو لأجل أنّ التعبّد والتنزيل شرعا انّما هو في البقاء لا في الحدوث ، فيكفي الشكّ فيه على تقدير الثبوت ، فيتعبّد به على هذا التقدير ، فيترتّب عليه الأثر فعلا فيما كان هناك أثر ، وهذا هو الأظهر.
وبه يمكن أن يذبّ عمّا في (١) استصحاب الأحكام الّتي قامت الأمارات المعتبرة على مجرّد ثبوتها وقد شكّ في بقائها على تقدير ثبوتها من الإشكال (٢) بأنّه لا يقين بالحكم الواقعيّ ، ولا يكون هناك حكم آخر فعليّ بناء على ما هو التحقيق (٣) من أنّ قضيّة حجّيّة الأمارة ليست إلّا تنجّز التكاليف مع الإصابة والعذر مع المخالفة ـ كما هو قضيّة الحجّة المعتبرة عقلا ، كالقطع والظنّ في حال الانسداد على الحكومة ـ ، لا إنشاء أحكام فعليّة شرعيّة ظاهريّة ، كما هو ظاهر الأصحاب.
ووجه الذبّ بذلك : أنّ الحكم الواقعيّ الّذي هو مؤدّى الطريق حينئذ (٤)
__________________
ـ في بقائه كانت هذه الأمارة حجّة على الحدوث والبقاء معا ، فإنّ الدليل على أحد المتلازمين دليل على الملازم الآخر. فلا يعتبر اليقين الفعليّ بالحدوث ، بل يكفي الثبوت التقديريّ والشكّ فيه على تقدير الثبوت.
وأشار المصنّف إلى الجواب تارة بقوله : «ومن أنّ اعتبار اليقين ... وهذا هو الأظهر» ، واخرى بقوله : «ووجه الذبّ بذلك ...».
(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «وبه يمكن أن يذبّ ما في ...» ، فإنّ معنى ذبّ الشيء هو دفعه وطرده ، ومعنى الذبّ عن الشيء هو الدفع عنه وتثبيته.
(٢) بيان للموصول في قوله : «عمّا في ...».
(٣) وأمّا بناء على ما هو المشهور من كون مؤدّيات الأمارات أحكاما ظاهريّة شرعيّة ـ كما اشتهر أنّ ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم ـ فالاستصحاب جار ، لأنّ الحكم الّذي أدّت إليه الأمارة محتمل البقاء ، لإمكان إصابتها الواقع وكان ممّا يبقى ، والقطع بعدم فعليّته حينئذ مع احتمال بقائه لكونها بسبب دلالة الأمارة والمفروض عدم دلالتها إلّا على ثبوته لا على بقائه غير ضائر بفعليّته الناشئة باستصحابه ، فلا تغفل ، منه [أعلى الله مقام].
(٤) أي : حين كفاية الشكّ في البقاء على تقدير الثبوت.