فإنّه يقال : إنّما يلزم لو كان اليقين ملحوظا بنفسه وبالنظر الاستقلاليّ ، لا ما إذا كان ملحوظا بنحو المرآتيّة وبالنظر الآليّ ، كما هو الظاهر في مثل قضيّة «لا تنقض اليقين» ، حيث تكون ظاهرة عرفا في أنّها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقّن تعبّدا إذا كان حكما ، ولحكمه إذا كان موضوعا ، لا عبارة عن لزوم العمل بآثار نفس اليقين بالالتزام بحكم مماثل لحكمه شرعا ، وذلك لسراية الآليّة والمرآتيّة من اليقين الخارجيّ إلى مفهومه الكلّيّ ، فيؤخذ في موضوع الحكم في مقام بيان حكمه مع عدم دخله فيه أصلا ، كما ربما يؤخذ فيما له دخل فيه أو تمام الدخل ، فافهم (١).
__________________
ـ حاصل الإشكال : أنّه لا محيص عن التصرّف في اليقين الّذي تعلّق به النقض بحمله على إرادة المتيقّن ، لأنّ المنهي عنه وإن كان هو النقض عملا لكنّه لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره ، لمنافاته لمورد النصوص ، فلا بدّ من أن يحمل الحديث على نقض المتيقّن بحسب العمل.
(١) لعلّه إشارة إلى ما أفاد المحقّق العراقيّ إيرادا على جعل اليقين مرآة لمتعلّقه. وحاصل ما أفاده وجهان :
الأوّل : أنّه مخالف لأصالة ظهور كلّ عنوان في الحكاية عن إرادة مفهومه استقلالا ، فهو خلاف ما يقتضيه ظهور القضيّة في كون اليقين المأخوذ فيها ملحوظا في إضافة النقض إليه مستقلّا.
الثاني : أنّه مستلزم لعدم قيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعيّ ، بداهة أنّ قيامه مقامه انّما هو من لوازم ثبوت العلم التنزيليّ بالواقع ، وهو متفرّع على كون نظر التنزيل في القضيّة إلى نفس اليقين مستقلّا ، لا مرآة إلى المتيقّن. نهاية الأفكار ٤ : ٧٩.
ثمّ إنّه أفاد ـ قبل ذلك ـ في تصحيح إسناد النقض إلى نفس اليقين وجها آخر ، وهو لا يخلو من الغموض ، فراجع نهاية الأفكار ٤ : ٧٨ و ٨٤.
وبالجملة : فالمصنّف قدسسره ذهب إلى دلالة الصحيحة الاولى على حجّيّة الاستصحاب مطلقا ، سواء كان الشكّ في البقاء لأجل الشكّ في المقتضي أو كان لأجل الشكّ في الرافع.
وتبعه المحقّقان الاصفهانيّ والعراقيّ والسيّدان العلمان الخمينيّ والخوئيّ. راجع نهاية الدراية ٣ : ٥٧ ، نهاية الأفكار ٤ : ٨٧ ، الرسائل (للإمام الخمينيّ) ١ : ٩٦ ، موسوعة الإمام الخوئيّ (مصباح الاصول) ٤٨ : ٣٥.