فيها (١) ، لأنّه لا يكاد يشكّ في بقاء الحكم إلّا من جهة الشكّ في بقاء موضوعه بسبب تغيّر بعض ما هو عليه ممّا احتمل دخله فيه حدوثا أو بقاء (٢) ، وإلّا (٣) لما تخلّف (٤) الحكم عن موضوعه إلّا بنحو البداء بالمعنى المستحيل في حقّه تعالى ؛ ولذا كان النسخ بحسب الحقيقة دفعا لا رفعا.
ويندفع هذا الإشكال بأنّ الاتّحاد في القضيّتين بحسبهما (٥) وإن كان ممّا لا محيص عنه في جريانه ، إلّا أنّه لمّا كان الاتّحاد بحسب نظر العرف كافيا في تحقّقه وفي صدق الحكم ببقاء ما شكّ في بقائه ، وكان بعض ما عليه الموضوع من الخصوصيّات الّتي يقطع معها بثبوت الحكم له ممّا يعدّ بالنظر العرفيّ من حالاته وإن كان واقعا من قيوده ومقوّماته ، كان جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة الثابتة لموضوعاتها عند الشكّ فيها لأجل طروء انتفاء بعض ما احتمل دخله فيها ممّا عدّ من حالاتها لا من مقوّماتها ، بمكان من الإمكان (٦) ، ضرورة صحّة إمكان دعوى بناء العقلاء على البقاء تعبّدا أو لكونه مظنونا ولو نوعا ، أو دعوى دلالة النصّ أو قيام الإجماع عليه قطعا ، بلا تفاوت في ذلك بين كون دليل الحكم نقلا أو عقلا (٧).
__________________
(١) أي : حصول اتّحاد القضيّتين المتيقّنة والمشكوكة في الأحكام الشرعيّة.
(٢) فيرجع الشكّ في بقاء الحكم إلى الشكّ في بقاء موضوعه ، وحينئذ لا يحرز بقاء الموضوع كي يحرز وحدته في القضيّتين ويستصحب الحكم ، مثلا : إذا ثبتت النجاسة للماء المتغيّر أوصافه بما هو متغيّر ، ثمّ زال تغيّر أوصافه بنفسه أو بعلاج فيشكّ في بقاء نجاسته من جهة الشكّ في بقاء موضوعه ، لاحتمال دخل التغيّر في موضوع النجاسة ، فلا يحرز وحدة القضيّتين المتيقّنة والمشكوكة موضوعا.
(٣) أي : وإن لا يكن الشكّ في الحكم من جهة الشكّ في بقاء الموضوع.
(٤) وفي بعض النسخ : «لا يتخلّف».
(٥) أي : بحسب الموضوع والمحمول.
(٦) قوله : «بمكان من الإمكان» خبر كان.
(٧) تعريض بما ابتكره الشيخ الأعظم الأنصاريّ من التفصيل بين كون المستصحب ممّا ثبت بدليل عقليّ فلا يجري فيه الاستصحاب ، وبين ما ثبت بدليل نقليّ فيجري فيه الاستصحاب. فرائد الاصول ٣ : ٣٧.