المفسدة الّتي هي ملاك حكم العقل ـ كان على حاله (١) في كلتا الحالتين (٢) ، وإن لم يدركه إلّا في إحداهما ، لاحتمال عدم دخل تلك الحالة فيه ، أو احتمال أن يكون معه ملاك آخر بلا دخل لها فيه أصلا ، وإن كان لها دخل فيما اطّلع عليه من الملاك.
وبالجملة : حكم الشرع إنّما يتّبع ما هو ملاك حكم العقل واقعا ، لا ما هو مناط حكمه فعلا. وموضوع حكمه كذلك ممّا لا يكاد يتطرّق إليه الإهمال والإجمال مع تطرّقه إلى ما هو موضوع حكمه شأنا ، وهو ما قام به ملاك حكمه واقعا ؛ فربّ خصوصيّة لها دخل في استقلاله (٣) مع احتمال عدم دخله ، فبدونها لا استقلال له بشيء قطعا ، مع احتمال بقاء ملاكه واقعا ، ومعه يحتمل بقاء حكم الشرع جدّا ، لدورانه معه وجودا وعدما ، فافهم وتأمّل جيّدا (٤).
__________________
(١) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «باقيا على حاله ...».
(٢) أي : حال اجتماع الخصوصيّات وحال انتفاء بعضها.
(٣) أي : في استقلال العقل بالحكم.
(٤) لعلّه إشارة إلى ما أفاد المحقّق الاصفهانيّ من منع جريان الاستصحاب في الحكم الشرعيّ المستكشف من حكم العقل ببيان آخر. وحاصله : أنّ انتفاء الحكم العقليّ المستلزم للحكم الشرعيّ بانتفاء بعض الخصوصيّات ليس من باب انتفاء الكاشف والواسطة في الإثبات فقط ، كي يقال : «انتفاء الكاشف لا يستدعي انتفاء المكشوف ، غاية الأمر أنّ العقل لا استقلال له إلّا في حالة اجتماع الخصوصيّات ، وهو لا يقتضي عدم المناط واقعا كي يحكم بانتفاء الحكم شرعا» ، بل يكون لأجل أنّ الشك في الخصوصيّة يوجب القطع بانتفاء موضوع الحكم العقليّ ، وهو مستلزم للقطع بزوال الحكم ، فإنّ متعلّق حكم العقل بالحسن أو القبح ليس الموضوع مع الخصوصيّة بوجودها الواقعيّ ، بل بوجودها العلميّ ، ضرورة أنّ القبح أو الحسن لا يتعلّق إلّا بالفعل الاختياريّ الصادر عن الالتفات ، فلا يثبت في غير مورد العلم. وعليه فإذا شكّ في بقاء خصوصيّة من خصوصيّات الموضوع يقطع بعدم موضوع القبح أو الحسن ، فيعلم بعدم القبح أو الحسن العقليّ ، ويتبعه القطع بعدم الحكم شرعا لانتفاء مناطه. نهاية الدراية ٣ : ٢٥ ـ ٢٦.
وأورد السيّد الإمام الخمينيّ على ما أفاد المصنّف قدسسره في دفع كلام الشيخ ، ثمّ دفعه بوجه آخر. راجع كلامه في الرسائل ١ : ٧٧ ـ ٨٠.
وأمّا المحقّقان النائينيّ والعراقيّ فتبعا المصنّف قدسسره في المقام وأفادا ما أفاد. فوائد الاصول ٤ : ٣٢٠ ـ ٣٢٣ ، نهاية الأفكار ٤ : ١٨ ـ ٢٣.