عقلائيّ (١) ؛ مع أنّه لو لم يكن بهذا الداعي ، وكان أصل إتيانه بداعي أمر مولاه بلا داع له سواه (٢) ، لما ينافي قصد الامتثال ، وإن كان لاغيا في كيفيّة امتثاله ، فافهم.
بل يحسن أيضا فيما قامت الحجّة على البراءة عن التكليف ، لئلّا يقع فيما كان في مخالفته على تقدير ثبوته من المفسدة وفوت المصلحة.
[ما يعتبر في جريان أصالتي البراءة والتخيير]
وأمّا البراءة العقليّة : فلا يجوز إجراؤها إلّا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجّة على التكليف ، لما مرّت الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها إلّا بعدهما (٣).
وأمّا البراءة النقليّة : فقضيّة إطلاق أدلّتها (٤) ، وإن كانت هي عدم اعتبار الفحص في جريانها ، كما هو (٥) حالها في الشبهات الموضوعيّة ، إلّا أنّه استدلّ على اعتباره بالإجماع ، وبالعقل (٦) ، فإنّه لا مجال لها بدونه حيث يعلم إجمالا بثبوت التكليف بين موارد الشبهات بحيث لو تفحّص عنه لظفر به.
__________________
ـ وذهب الشيخ الأعظم الأنصاريّ إلى عدم حسن الاحتياط فيما إذا كان متوقّفا على تكرار العبادة وكان المكلّف متمكّنا من العلم التفصيليّ. راجع فرائد الاصول ٢ : ٤٠٠.
(١) كما إذا كان التكرار موجبا لدفع ضرر عدوّ عن نفسه إذا استحيى العدوّ من الإضرار به ما دام كان عابدا.
(٢) أي : سوى أمر مولاه.
(٣) مرّت الإشارة إليه في الصفحة : ٤٠ من هذا الجزء.
(٤) كحديث الرفع والحجب وغيرهما.
(٥) أي : عدم الاعتبار. والضمير في قوله : «حالها» راجع إلى البراءة النقليّة.
(٦) استدلّ بهما الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٢ : ٤١٢ ـ ٤١٣.
أمّا الاستدلال بالإجماع فمعلوم.
وأمّا الاستدلال بالعقل فتقريبه : أنّه يعلم إجمالا بثبوت تكاليف إلزاميّة بين موارد الشبهات أراد الشارع تبليغها إلى المكلّفين بالطرق المتعارفة العادية ، ويعلم أنّه لا يصل المكلّف عادة إلى تلك التكاليف الإلزاميّة إلّا بعد الفحص عنها ، والعقل بمقتضى هذا العلم يحكم بلزوم الفحص عن التكاليف ويمنع عن إجراء البراءة قبل الفحص.