ومنها : [حديث الإطلاق]
قوله عليهالسلام : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (١). ودلالته تتوقّف على عدم صدق الورود إلّا بعد العلم أو ما بحكمه بالنهي عنه وإن صدر عن الشارع ووصل إلى غير واحد ، مع أنّه ممنوع ، لوضوح صدقه على صدوره عنه (٢) ، سيّما بعد بلوغه إلى غير واحد وقد خفي على من لم يعلم بصدوره (٣).
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٢٧ ـ ١٢٨ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦٠.
وورد في المستدرك هكذا «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نصّ». مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٢٤ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨.
(٢) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «على صدوره عنه أيضا».
(٣) توضيح ما أفاده : أنّ في معنى الحديث احتمالين :
الأوّل : أن يكون المراد من ورود النهي ـ الّذي جعل غاية للإطلاق والإباحة ـ هو وصول النهي إلى المكلّف وعلمه به ، لا مجرّد صدوره من الشارع وإن لم يصل إلى المكلّف. وعليه يكون معنى الحديث : أنّ كلّ شيء مشتبه الحكم مباح ظاهرا ما لم يصل إلى المكلّف نهي عن ذلك الشيء بخصوصه ، ولو صدر النهي عنه واقعا.
الثاني : أن يكون المراد من ورود النهي صدور الحكم من المولى وجعله ولو لم يصل إلى المكلّف ولم يعلم به. وعليه يكون معنى الحديث : أنّ كلّ شيء لم يصدر فيه نهي واقعا ولم تجعل فيه الحرمة حقيقة فهو مباح. فإذا صدر النهى عنه واقعا فليس حلالا وإن لم يعلم به المكلّف.
ومعلوم أنّ المقصود بالاستدلال بالحديث هو إثبات البراءة في كلّ شيء مشتبه الحكم ما لم يصل فيه نهي إلى المكلّف ، سواء صدر النهي عنه واقعا أم لا. فإذا جزمنا أنّ المراد من الورود في الحديث هو الاحتمال الأوّل فيتّجه الاستدلال به على البراءة ؛ ولم نجزم به إلّا إذا لم يصدق الورود على مجرّد صدور الحكم من المولى ، وهو ممنوع ، فإنّك قد عرفت أنّ الورود كما يصدق على وصول النهي إلى المكلّف كذلك يصدق على صدوره عن الشارع ، فلا موجب للجزم بظهوره في خصوص الاحتمال الأوّل ، فلا يتّجه الاستدلال به على البراءة.
ولا يخفى : أنّ السرّ في عدم صحّة الاستدلال به إلّا على الاحتمال الأوّل أنّه بناء على الاحتمال الثاني يكون مفاد الحديث إباحة الشيء المشتبه ما لم يصدر فيه نهي واقعا ، بمعنى أنّ الحكم بإباحته مشروط بالعلم بعدم تحقّق صدور النهي عنه واقعا. فما يشكّ في صدور النهي عنه من المولى وعدمه يكون من الشبهات الموضوعيّة ، وحينئذ لا يصحّ التمسّك بهذا الحديث لإثبات إباحته ، لأنّه من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، وهو غير جائز. ـ