أحدها (١) : أنّه يعلم إجمالا بصدور كثير ممّا بأيدينا من الأخبار من الأئمّة
__________________
(١) وهذا الوجه قرّبه الشيخ الأعظم الأنصاريّ بنحو يرد عليه إيرادات أربعة. وقرّبه المصنّف رحمهالله في المقام بنحو لا يرد عليه إلّا الإيراد الرابع منها.
وتوضيح الفرق بين التقريبين يتوقّف على ذكر ما أفاده الشيخ الأعظم أوّلا ، وبيان ما أفاده المصنّف رحمهالله في المقام ثانيا.
أمّا الشيخ الأعظم : فأفاد في تقرير الوجه : أنّا نعلم إجمالا بصدور جملة من الأخبار الّتي بأيدينا عن المعصوم عليهالسلام ، ولا سيّما بعد ملاحظة اهتمام الرواة في رواية الأحاديث وضبطها وتدوينها وجهد العلماء في المحافظة عليها وإسقاط الضعاف منها. ومقتضى هذا العلم الإجماليّ لزوم الاحتياط والأخذ بجميع الأخبار الموجودة في الكتب ، وهو غير ممكن ، فلا بدّ من العمل بكلّ خبر مظنون الصدور ، لأنّه أقرب إلى الواقع من غيره.
ثمّ أورد على هذا الوجه بإيرادات أربعة :
الأوّل : أنّ هذا الدليل لا يفيد حجّيّة خصوص الخبر ، بل يفيد حجّيّة كلّ ما ظنّ منه بصدور الحكم عن الحجّة وإن لم يكن خبرا. وذلك لأنّ وجوب العمل بالأخبار الصادرة إنّما هو لأجل اشتمالها على الأحكام الواقعيّة الّتي يجب امتثالها ، فالعمل بالخبر الصادر من جهة كشفه عن حكم الله تعالى ، لا بما أنّه خبر. وعليه فالعلم الإجماليّ بصدور كثير من الأخبار يرجع إلى العلم الإجماليّ بوجود تكاليف واقعيّة في ضمن هذه الأخبار ، والعلم الإجماليّ بوجود التكاليف الواقعيّة لا يختصّ بالأخبار ، بل نعلم إجمالا بوجودها في ضمن غيرها من الأمارات الظنّيّة أيضا ، فنعلم بوجودها في ضمن الشهرات والإجماعات المنقولة. ومقتضى هذا العلم الإجماليّ هو العمل بكلّ ما يفيد الظنّ بالحكم الشرعيّ بعد تعذّر الاحتياط. وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.
ثمّ نفى دعوى انحلال العلم الإجماليّ الكبير ـ وهو ما كانت أطرافه الأمارات الظنّيّة ـ بالعلم الإجماليّ الصغير ـ وهو ما كانت أطرافه خصوص الأخبار ـ. وحاصل ما أفاده : أنّ العلم الإجماليّ الكبير لا ينحلّ بالصغير إلّا إذا فرض عدم بقاء الكبير لو عزلنا من أطراف الصغير بمقدار المعلوم بالإجمال. وأمّا إذا فرض بقاء العلم الإجماليّ الكبير بين الباقي من أطراف الصغير وسائر أطراف الكبير لم ينحلّ الكبير بالصغير. وما نحن فيه من هذا القبيل ، ضرورة أنّه لو عزلنا من الأخبار طائفة بمقدار المعلوم صدوره من الأخبار يبقى العلم الإجماليّ بوجود أحكام واقعيّة بين باقي الأخبار وسائر الأمارات الظنّيّة ، فلا ينحلّ العلم الإجماليّ الكبير ، بالعلم الإجماليّ الصغير.
الثاني : أنّ اللازم من الوجه المذكور هو لزوم العمل بكلّ خبر يحصل الظنّ بكون ـ