وجوب النفر ، لا لبيان غايتيّة التحذّر. ولعلّ وجوبه كان مشروطا بما إذا أفاد العلم ولو لم نقل بكونه مشروطا به ، فإنّ النفر إنّما يكون لأجل التفقّه وتعلّم معالم الدين ومعرفة ما جاء به سيّد المرسلين كي ينذروا بها المتخلّفين أو النافرين ـ على الوجهين في تفسير الآية ـ ، لكي يحذروا إذا انذروا بها ، وقضيّته إنّما هي وجوب الحذر عند إحراز أنّ الإنذار بها. كما لا يخفى (١).
ثمّ إنّه أشكل أيضا (٢) بأنّ الآية لو سلّم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا ، فلا دلالة لها على حجّيّة الخبر بما هو خبر ، حيث إنّه ليس شأن الراوي إلّا الإخبار بما تحمّله ، لا التخويف والإنذار ؛ وإنّما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلّد.
قلت : لا يذهب عليك أنّه ليس حال الرواة في الصدر الأوّل في نقل ما تحمّلوا من النبيّ صلىاللهعليهوآله أو الإمام عليهالسلام (٣) من الأحكام إلى الأنام إلّا كحال نقلة الفتاوى إلى العوامّ ؛ ولا شبهة في أنّه يصحّ منهم التخويف في مقام الإبلاغ والإنذار والتحذير بالبلاغ ، فكذا من الرواة ، فالآية لو فرض دلالتها على حجّيّة نقل الراوي إذا كان مع
__________________
(١) والحاصل : أنّه لا تنحصر فائدة الإنذار بوجوب التحذّر تعبّدا ولو لم يحصل العلم ، بل يمكن أن تكون فائدته حصول التحذّر عند حصول العلم بالمنذر به. وذلك لعدم إطلاق يقتضي وجوب التحذّر مطلقا ، ضرورة أنّ الشارع في مقام بيان وجوب النفر ، لا في مقام بيان غايتيّة الحذر كي يكون لها إطلاق من هذه الجهة ويتمسّك بإطلاق الكلام من هذه الجهة. ومعلوم أنّ انعقاد مقدّمات الإطلاق من جهة لا ينفع في إثباته من جهة اخرى. فإذن يحتمل اشتراط وجوب العمل بقول المنذر بما إذا علم المنذر أنّ المنذر أنذر بما علمه من معالم الدين ، وأمّا مع الشكّ فيه ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا يجب وجوب العمل به ولا يوجب التحذّر.
وهذا الإشكال ذكره الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣.
(٢) أي : أشكل الاستدلال ثالثا. وهذا إيراد على أصل الاستدلال بالآية بتقاريبه الثلاثة.
وذكر الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٢٨٤ ، حيث قال : «الثالث لو سلّمنا دلالة الآية ...».
(٣) وفي بعض النسخ : «والإمام عليهالسلام». والصحيح ما أثبتناه.