كما أنّ قضيّة إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره (١).
لكنّ الظاهر أنّ مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك (٢) ، بل للخطاب الإيقاعيّ الإنشائيّ. فالمتكلّم ربما يوقع الخطاب بها تحسّرا وتأسّفا وحزنا ، مثل «يا كوكبا ما كان أقصر عمره» (٣) ، أو شوقا (٤) ونحو ذلك ، كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة. فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقيّ حينئذ التخصيص بمن يصحّ مخاطبته (٥).
نعم ، لا يبعد دعوى الظهور انصرافا في الخطاب الحقيقيّ ، كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجّي والتمنّي وغيرها على ما حقّقنا في بعض المباحث السابقة (٦) من كونها موضوعة للإيقاعيّ منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعيّ
__________________
(١) أي : كما أنّ إرادة الشمول لغير المشافهين ممّا يقع في تلو الأداة ـ كالناس في «يا أيّها الناس» ـ تقتضي استعمال ما وضع للخطاب في غير الخطاب الحقيقيّ.
(٢) أي : للخطاب الحقيقيّ.
(٣) البيت من قصيدة أبي الحسن التهاميّ في رثاء ولده الّذي مات صغيرا. وتمام البيت هكذا : «وكذاك عمر كواكب الأسحار». راجع شهداء الفضيلة : ٢٤.
(٤) كقول الشافعيّ :
يا آل بيت رسول الله حبّكم |
|
فرض من الله في القرآن أنزله |
الصواعق المحرقة : ٨٨
(٥) وهو الحاضرين.
وذهب المحقّق النائينيّ إلى التفصيل بين القضايا الخارجيّة فتختصّ بالمشافهين ، لأنّ عموم الخطاب فيها للغائبين ـ فضلا عن المعدومين ـ يحتاج إلى عناية زائدة ، وبين القضايا الحقيقيّة فتعمّ المعدومين فضلا عن الغائبين ، لأنّ توجيه الخطاب إليهم لا يحتاج إلى أزيد من تنزيلهم منزلة الموجودين الّذي هو المقوّم لكون القضيّة حقيقيّة. فوائد الاصول ٢ : ٥٥٠.
وأورد عليه السيّد المحقّق الخوئيّ ـ تبعا للمحقّق الاصفهانيّ ـ بأنّه لا يكفي في شمول الخطاب للمعدوم والغائب تنزيلهم منزلة الموجود ، بل لا بدّ من تنزيلهم منزلة الحاضر في مجلس التخاطب ، وهو أمر زائد على مقتضى القضيّة الحقيقيّة ، فينفيه الأصل مع عدم الدليل عليه. راجع نهاية الدراية ١ : ٦٥٢ ـ ٦٥٣ ، والمحاضرات ٥ : ٢٧٧.
(٦) راجع الجزء الأوّل : ١٢٨.