هذا، ولكنّ الحكم بسقوط الردّ بمطلق التصرّف، حتّى مثل قول المشتري للعبد المشترى «ناولني الثوب» أو «أغلق الباب» على ما صرّح به العلاّمة في التذكرة في غاية الإشكال؛ لإطلاق قوله عليهالسلام: «إن كان الثوب قائماً بعينه ردّه» المعتضد بإطلاق الأخبار في الردّ خصوصاً ما ورد في ردّ الجارية بعد ما لم تحض ستّة أشهرٍ عند المشتري ونحو ذلك ممّا يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرّف فيه بمثل «أغلق الباب» ونحوه وعدم ما يصلح للتقييد ممّا استدلّ به للسقوط، فإنّ مطلق التصرّف لا يدلّ على الرضا، خصوصاً مع الجهل بالعيب.
وأمّا المرسلة فقد عرفت إطلاقها (مرسله) لما يشمل لبس الثوب واستخدام العبد، بل وطء الجارية لولا النصّ المسقط للخيار به.
وأمّا الصحيحة فلا يُعلم المراد من «إحداث شيءٍ في المبيع» لكن الظاهر بل المقطوع عدم شموله لغةً ولا عرفاً لمثل استخدام العبد وشبهه ممّا مرّ من الأمثلة، فلا يدلّ على أزيد ممّا دلّ عليه ذيل المرسلة: من أنّ العبرة بتغيّر العين وعدم قيامها بعينها. اللهمّ إلاّ أن يستظهر بمعونة ما تقدّم في خيار الحيوان: من النصّ الدالّ على أنّ المراد بإحداث الحدث في المبيع هو: أن ينظر إلى ما حرم النظر إليه قبل الشراء، فإذا كان مجرّد النظر المختصّ بالمالك حدثاً دلّ على سقوط الخيار هنا وفي الحيوان بكلّ تصرّفٍ، فيكون ذلك النصّ دليلاً على المراد بالحدث هنا. وهذا حسنٌ، لكن إقامة البيّنة على اتّحاد معنى الحدث في المقامين مع عدم مساعدة العرف على ظهور الحدث في هذا المعنى مشكلةٌ.
ثمّ إنّه إذا قلنا بعموم الحدث في هذا المقام لمطلق التصرّف، فلا دليل على كونه من حيث الرضا بالعقد وإن كان النصّ في خيار الحيوان دالاّ على ذلك، بقرينة التعليل المذكور فيه على الوجوه المتقدّمة في المراد من التعليل. لكن كلمات كثيرٍ منهم في هذا المقام أيضاً تدلّ على سقوط هذا الخيار بالتصرّف من حيث الرضا، بل عرفت من التذكرة والغنية: أنّ علّة السقوط دلالة التصرّف نوعاً على الرضا.
ونحوه في الدلالة على كون السقوط بالتصرّف من حيث دلالته على الرضا كلماتُ جماعةٍ ممّن تقدّم عليه (علامه) ومن تأخّر عنه.
قال في المقنعة: فإن لم يعلم المبتاع بالعيب حتّى أحدث فيه (مبتاع) حدثاً لم يكن له الردّ، وكان له أرش العيب خاصّةً، وكذلك حكمه إذا أحدث فيه حدثاً بعد العلم، ولا يكون إحداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضاً به منه، انتهى.
فإنّ تعليله (مقنعه) عدمَ سقوط الأرش بعدم دلالة الإحداث على الرضا بالعيب ظاهرٌ خصوصاً بملاحظة ما يأتي من كلام غيره في أنّ سقوط الردّ بالحدث لدلالته على الرضا بأصل البيع، ومثلها عبارة النهاية من غير تفاوتٍ.
وقال في المبسوط: إذا كان المبيع بهيمةً فأصاب بها عيباً كان له ردّها، فإذا كان في طريق الردّ جاز له ركوبها (بهمیه) وعلفها وسقيها وحلبها وأخذ لبنها، وإن نتجت كان له (مشتری) نتاجها؛ كلّ هذا لأنّه ملكه (مشتری) وله فائدته وعليه (مشتری) مئونته، والردّ لا يسقط، لأنّه إنّما يسقط الردّ بالرضا بالمعيب أو ترك الردّ بعد العلم به أو بأن يحدث فيه عيبٌ عنده، وليس هنا شيءٌ من ذلك، انتهى.
وقال في الغنية: ولا يسقط بالتصرّف بعد العلم بالعيب حقُّ المطالبة بالأرش؛ لأنّ التصرّف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب، انتهى.
وفي السرائر، قال في حكم من ظهر على عيبٍ فيما اشتراه: ولا يجبر على أحد الأمرين يعني الردّ والأرش قال: هذا إذا لم يتصرّف فيه تصرّفاً يؤذن بالرضا في العادة، أو ينقص قيمته بتصرّفه (ما اشتراه)، انتهى.
وفي الوسيلة: ويسقط الردّ بأحد ثلاثة أشياء: بالرضا، وبترك الردّ بعد العلم به والمعرفة إذا عرف أنّ له الخيار، وبحدوث عيبٍ آخر عنده، انتهى.
وهي بعينه كعبارة المبسوط المتقدّمة ظاهرةٌ في أنّ التصرّف ليس بنفسه مسقطاً إلاّ إذا دلّ على الرضا.
وقال في التذكرة: لو ركبها ليسقيها ثمّ يردّها لم يكن ذلك رضاً منه بإمساكها، ولو حلبها في طريق الردّ فالأقوى أنّه تصرّفٌ يؤذن بالرضا بها. وقال بعض الشافعيّة: لا يكون رضاً بإمساكه؛ لأنّ اللبن مالُه قد استوفاه في حال الردّ، انتهى.
وفي جامع المقاصد والمسالك في ردّ ابن حمزة القائل بأنّ التصرّف بعد العلم يسقط الأرش أيضاً ـ : أنّ التصرّف لا يدلّ على إسقاط الأرش، نعم يدلّ على الالتزام بالعقد.
وفي التحرير: لو نقل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرّف فيه بما يدلّ على الرضا قبل علمه بالعيب وبعده سقط الردّ، انتهى.
وقد ظهر من جميع ذلك: أنّ التصرّف من حيث هو ليس مسقطاً، وإنّما هو التزامٌ ورضاً بالعقد فعلاً، فكلّ تصرّفٍ يدلّ على ذلك عادةً فهو مسقطٌ، وما ليس كذلك فلا دليل على الإسقاط به، كما لو وقع نسياناً أو للاختبار، ومقتضى ذلك: أنّه لو وقع التصرّف قبل العلم بالعيب لم يسقط، خصوصاً إذا كان ممّا يتوقّف العلم بالعيب عليه وحصل بقصد الاختبار، إلاّ أنّ المعروف خصوصاً بين العلاّمة ومن تأخّر عنه ـ : عدم الفرق في السقوط بالتصرّف بين وقوعه قبل العلم بالعيب أو بعده (علم به عیب).