فتعيّن إرادة المعنى الثالث، ومحصّله (احتمال سوم): دلالة التصرّف لو خُلّي وطبعه (بدون قرائن خارجیه) على الالتزام وإن لم يفد في خصوص المقام، فيكون التصرّف إجازةً فعليّةً في مقابل الإجازة القوليّة؛ وهذا (احتمال سوم) هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه.
قال في المقنعة: إنّ هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع، إلاّ أن يحدث فيه (حیوان) المبتاع حدثاً يدلّ على الرضا بالابتياع، انتهى. ومَثّل للتصرّف في مقامٍ آخر بأن ينظر من الأمة إلى ما يحرم لغير المالك.
وقال في المبسوط في أحكام العيوب: إذا كان المبيع بهيمةً وأصاب بها (بهیمه) عيباً فله ردّها، وإذا كان في طريق الردّ جاز له (فرد) ركوبها وسقيها وعلفها وحلبها وأخذ لبنها، وإن نتجت كان له (مشتری مثلا) نتاجها. ثمّ قال: ولا يسقط الردّ؛ لأنّه إنّما يسقط بالرضا بالعيب أو بترك الردّ بعد العلم بالعيب أو بأن يحدث فيه عيبٌ عنده، وليس هنا شيءٌ من ذلك، انتهى.
وفي الغنية: لو هلك المبيع في مدّة الخيار فهو من مال بائعه، إلاّ أن يكون المبتاع قد أُحدث فيه حدثاً يدلّ على الرضا، انتهى.
وقال الحلبي قدسسره في الكافي في خيار الحيوان ـ: فإن هلك في مدّة الخيار فهو من مال البائع، إلاّ أن يحدث فيه حدثاً يدلّ على الرضا، انتهى.
وفي السرائر بعد حكمه بالخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيّام قال: هذا إذا لم يُحدث في هذه المدّة حدثاً يدلّ على الرضا أو يتصرّف فيه تصرّفاً ينقص قيمته (حیوان)، أو يكون لمثل ذلك التصرّف اجرةٌ، بأن يركب الدابّة أو يستعمل الحمار أو يقبّل الجارية أو يلامسها (جاریه) أو يدبّرها تدبيراً ليس له الرجوع فيه كالمنذور، انتهى.
وقال في موضعٍ آخر: إذا لم يتصرّف فيه تصرّفاً يؤذن بالرضا في العادة.
وأمّا العلاّمة: فقد عرفت أنّه استدلّ (علامه) على أصل الحكم بأنّ التصرّف دليل الرضا باللزوم.
وقال في موضعٍ آخر: لو ركب الدابّة ليردّها سواء قصرت المسافة أو طالت لم يكن ذلك (رکوب) رضاً بها. ثمّ قال: ولو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثمّ يردّها لم يكن ذلك رضاً منه بإمساكه، ولو حلبها في طريقه فالأقرب أنّه تصرّفٌ يؤذن بالرضا.
وفي التحرير في مسألة سقوط ردّ المعيب بالتصرّف قال: وكذا لو استعمل المبيع أو تصرّف فيه (مبیع) بما يدلّ على الرضا.
وقال في الدروس: استثنى بعضهم من التصرّف ركوب الدابّة والطحن عليها وحلبها، إذ بها يعرف حالها ليختبر، وليس ببعيد.
وقال المحقّق الكركي: لو تصرّف ذو الخيار غير عالمٍ، كأن ظنّها جاريته المختصّة فتبيّنت ذات الخيار أو ذهل عن كونها (جاریه) المشتراة ففي الحكم تردّدٌ، ينشأ: من إطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرّف، ومن أنّه غير قاصدٍ إلى لزوم البيع، إذ لو علم لم يفعل، والتصرّف إنّما عُدّ مسقطاً لدلالته على الرضا باللزوم.
وقال في موضعٍ آخر: ولا يعدّ ركوب الدابّة للاستخبار أو لدفع جموحها أو للخوف من ظالمٍ أو ليردّها تصرّفاً. ثمّ قال: وهل يعدّ حملها (دابه) للاستخبار تصرّفاً؟ ليس ببعيدٍ أن لا يعدّ. وكذا لو أراد ردّها وحلبها لأخذ اللبن، على إشكالٍ ينشأ من أنّه ملكه، فله استخلاصه، انتهى.
وحكي عنه في موضعٍ آخر أنّه قال: والمراد بالتصرّف المسقط ما كان المقصود منه التملّك، لا الاختبار ولا حفظ المبيع كركوب الدابّة للسقي، انتهى.
ومراده (محقق کرکی) من التملّك: البقاء عليه والالتزام به، ويحتمل أن يراد به (تملک) الاستعمال للانتفاع بالملك، لا للاختبار أو الحفظ.
هذا ما حضرني من كلماتهم في هذا المقام، الظاهرة في المعنى الثالث، وحاصله: التصرّف على وجهٍ يدلّ عرفاً لو خُلّي وطبعه على الالتزام بالعقد، ليكون إسقاطاً فعليّاً للخيار، فيخرج منه ما دلّت القرينة على وقوعه (تصرف) لا عن الالتزام.
لكن يبقى الإشكال المتقدّم سابقاً: من أنّ أكثر أمثلة التصرّف المذكورة في النصوص والفتاوى ليست كذلك، بل هي واقعةٌ غالباً مع الغفلة أو التردّد أو العزم على الفسخ مطلقاً، أو إذا اطّلع على ما يوجب زهده فيه، فهي غير دالّةٍ في نفسها عرفاً على الرضا.
ومنه يظهر وجه النظر في دفع الاستبعاد الذي ذكرناه سابقاً من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرّف فيه في الثلاثة فيكون مورد الخيار في غاية الندرة بأنّ الغالب في التصرّفات وقوعها (تصرفات) مع عدم الرضا باللزوم، فلا يسقط بها (تصرفات) الخيار، إذ فيه: أنّ هذا يوجب استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنّه رضاً؛ لأنّ المصحِّح لهذا التعليل مع العلم بعدم كون بعض أفراده رضاً هو ظهوره (تصرف) فيه عرفاً من أجل الغلبة، فإذا فرض أنّ الغالب في مثل هذه التصرّفات وقوعها (تصرفات) لا عن التزامٍ للعقد بل مع العزم على الفسخ أو التردّد فيه أو الغفلة، كان تعليل الحكم على المطلق بهذه العلّة الغير الموجودة إلاّ في قليلٍ من أفراده مستهجناً.
وأمّا الاستشهاد لذلك بما سيجيء: من أنّ تصرّف البائع في ثمن بيع الخيار غير مسقطٍ لخياره اتّفاقاً، وليس ذلك إلاّ من جهة صدوره لا عن التزامٍ بالعقد، بل مع العزم على الفسخ بردّ مثل الثمن، ففيه: ما سيجيء.