ولكن يقع البحث والتساؤل فيما لو ارتفعت تلك الحالة الاضطراريّة الثانويّة ورجع المكلّف إلى حالته الأولى من التمكّن من أداء ما كان عليه واجبا في حالة الاختيار ، فهل يجزئه ما كان قد أتى به في حال الاضطرار ، أو لا يجزئه ، بل لا بدّ له من إعادة الفعل في الوقت أداء إذا كان ارتفاع الاضطرار قبل انتهاء وقت الفعل وكنّا قلنا بجواز البدار ، (١) أو إعادته خارج الوقت قضاء إذا كان ارتفاع الاضطرار بعد الوقت؟
إنّ هذا أمر يصحّ فيه الشكّ والتساؤل ، وإن كان المعروف بين الفقهاء في فتاويهم القول بالإجزاء مطلقا أداء وقضاء. (٢)
غير أنّ إطباقهم على القول بالإجزاء ليس مستندا إلى دعوى أنّ البديهيّة العقليّة تقضي به ؛ لأنّه هنا يمكن تصوّر عدم الإجزاء بلا محذور عقليّ ، أعني يمكننا أن نتصوّر عدم الملازمة بين الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراريّ وبين الإجزاء به عن الأمر الواقعيّ الاختياريّ.
توضيح ذلك أنّه لا إشكال في أنّ المأتيّ به في حال الاضطرار أنقص من المأمور به حال الاختيار ، والقول بالإجزاء فيه معناه كفاية الناقص عن الكامل مع فرض حصول التمكّن من أداء الكامل في الوقت أو خارجه. ولا شكّ في أنّ العقل لا يرى بأسا بالأمر بالفعل ثانيا بعد زوال الضرورة ؛ تحصيلا للكامل الذي قد فات منه ؛ بل قد يلزم العقل بذلك إذا كان في الكامل مصلحة ملزمة لا يفي بها الناقص ولا يسدّ مسدّ الكامل في تحصيلها.
والمقصود الذي نريد أن نقوله بصريح العبارة «أنّ الإتيان بالناقص بالنظرة الأولى ممّا [لا] يقتضي عقلا الإجزاء عن الكامل».
فلا بدّ أن يكون ذهاب الفقهاء إلى الإجزاء لسرّ هناك : إمّا لوجود ملازمة بين الإتيان بالناقص وبين الإجزاء عن الكامل ، وإمّا لغير ذلك من الأسباب ، فيجب أن نتبيّن ذلك ، فنقول : هناك وجوه أربعة يصلح أن يكون كلّها أو بعضها مستندا للقول بالإجزاء
__________________
(١) لأنّه إذا لم يجز البدار ، فإن ابتدر فعمله باطل فكيف يجزئ؟! وإن لم يبتدر فلا يبقى مجال لزوال العذر في الوقت حتّى يتصوّر الأداء. ـ منه رحمهالله ـ.
(٢) انظر جواهر الكلام ٥ : ٢٢٣ ـ ٢٢٥.