٢. إنّه بعد فرض القول بأنّ للأفعال في حدّ أنفسها حسنا وقبحا ، هل يتمكّن العقل من إدراك وجوه الحسن والقبح مستقلاّ عن تعليم الشارع وبيانه أو لا؟ وعلى تقدير تمكّنه ، هل للمكلّف أن يأخذ به بدون بيان الشارع وتعليمه أو ليس له ذلك إمّا مطلقا أو في بعض الموارد؟
وهذه المسألة هي إحدى نقط الخلاف المعروفة بين الأصوليّين وجماعة من الأخباريّين ، (١) وفيها تفصيل من بعضهم (٢) على ما يأتي (٣). وهي أيضا ليست من مباحث علم الأصول ، ولكنّها من المبادئ لمسألتنا الأصوليّة الآتية ؛ لأنّه بدون القول بأنّ العقل يدرك وجوه الحسن والقبح لا تتحقّق عندنا صغرى القياس التي تكلّمنا عنها سابقا.
ولا ينبغي أن يخفى عليكم أنّ تحرير هذه المسألة سببه المغالطة التي وقعت لبعضهم ، (٤) وإلاّ فبعد تحرير المسألة الأولى على وجهها الصحيح ـ كما سيأتي ـ لا يبقى مجال لهذا النزاع. فانتظر توضيح ذلك في محلّه القريب. (٥)
٣. إنّه بعد فرض أنّ للأفعال حسنا وقبحا وأنّ العقل يدرك الحسن والقبح ، يصحّ أن ننتقل إلى التساؤل عمّا إذا كان العقل يحكم أيضا بالملازمة بين حكمه وحكم الشرع ، بمعنى أنّ العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه هل يلزم عنده عقلا أن يحكم الشارع على طبق حكمه؟
وهذه هي المسألة الأصوليّة المعبّر عنها بمسألة الملازمة التي وقع فيها النزاع ، فأنكر
__________________
(١) كالمحدّث الاسترآباديّ في الفوائد المدنيّة ، والمحدّث الجزائريّ في شرح التهذيب ، والمحدّث البحرانيّ في الحدائق على ما حكاه عنهم الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول ١ : ١٥ ـ ١٧. وراجع الفوائد المدنيّة : ١٢٩ ـ ١٣١ ، والحدائق الناضرة ١ : ١٣٢.
(٢) أي بعض الأصوليّين. وهو صاحب الفصول ، فإنّه أنكر الملازمة الواقعيّة بين حكم العقل وحكم الشرع ، والتزم بالملازمة الظاهريّة. راجع الفصول الغرويّة : ٣٣٧.
(٣) يأتي في الصفحة : ٢٤٨ «المبحث الثالث».
(٤) كصاحب الفصول والشيخ الأنصاريّ ، فإنّ الظاهر من كلماتهما أنّ الالتزام بالتحسين والتقبيح العقليّين غير الالتزام بتحسين الشارع وتقبيحه ، غاية الأمر أنّ أحدهما يلزم الآخر. والحقّ أنّهما شيء واحد. فراجع الفصول الغرويّة : ٣٣٧ ، ومطارح الأنظار : ٢٣١ ـ ٢٣٢.
(٥) يأتي في الصفحة : ٢٤٦ «توضيح وتعقيب».