الباب الأوّل
المستقلاّت العقليّة
تمهيد
الظاهر انحصار المستقلاّت العقليّة ـ التي يستكشف منها الحكم الشرعيّ ـ في مسألة واحدة ، وهي مسألة التحسين والتقبيح العقليّين. وعليه ، يجب علينا أن نبحث عن هذه المسألة من جميع أطرافها بالتفصيل ، لا سيّما أنّه لم يبحث عنها في كتب الأصول الدارجة ، فنقول :
وقع البحث هنا في أربعة أمور متلاحقة :
١. إنّه هل تثبت للأفعال ـ مع قطع النظر عن حكم الشارع وتعلّق خطابه بها ـ أحكام عقليّة من حسن وقبح؟ أو إن شئت فقل : للأفعال حسن وقبح بحسب ذواتها ، ولها قيم ذاتيّة في نظر العقل قبل فرض حكم الشارع عليها ، أو ليس لها ذلك ، وإنّما الحسن ما حسّنه الشارع والقبيح ما قبّحه ، والفعل مطلقا في حدّ نفسه من دون حكم الشارع ليس حسنا ولا قبيحا؟
وهذا هو الخلاف الأصيل بين الأشاعرة والعدليّة ، وهو مسألة التحسين والتقبيح العقليّين المعروفة في علم الكلام ، وعليها تترتّب مسألة الاعتقاد بعدالة الله (تعالى) وغيرها. وإنّما سمّيت العدليّة «عدليّة» لقولهم بأنّه (تعالى) عادل ، بناء على مذهبهم في ثبوت الحسن والقبح العقليّين.
ونحن نبحث عن هذه المسألة هنا باعتبار أنّها من المبادئ لمسألتنا الأصوليّة كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق.