والحاصل نحن نبحث في المستقلاّت العقليّة عن مسألتين : إحداهما : الصغرى ، وهي بيان المدركات العقليّة في الأفعال الاختياريّة [و] أنّه أيّها ينبغي فعله وأيّها لا ينبغي فعله؟ ثانيتهما : الكبرى ، وهي بيان أنّ ما يدركه العقل هل لا بدّ أن يدركه الشرع ، أي يحكم على طبق ما يحكم به العقل؟ وهذه هي المسألة الأصوليّة التي هي من الملازمات العقليّة. ومن هاتين المسألتين نهيّئ موضوع مبحث حجّيّة العقل.
٢. وأمّا في «غير المستقلاّت العقليّة» فأيضا يظهر الحال فيها بعد بيان المقدّمتين اللتين يتألّف منهما الدليل العقليّ. وهما ـ مثلا ـ :
الأولى : «هذا الفعل واجب» أو «هذا المأتيّ به ، مأمور به في حال الاضطرار». فمثل هذه القضايا تثبت في علم الفقه ، فهي شرعيّة.
الثانية : «كلّ فعل واجب شرعا يلزمه عقلا وجوب مقدّمته شرعا» أو «يلزمه عقلا حرمة ضدّه شرعا» أو «كلّ مأتيّ به ـ وهو مأمور به حال الاضطرار ـ يلزمه عقلا الإجزاء عن المأمور به حال الاختيار» ... وهكذا. فإنّ أمثال هذه القضايا أحكام عقليّة مضمونها الملازمة العقليّة بين ما يثبت شرعا في القضيّة الأولى وبين حكم شرعيّ آخر. وهذه الأحكام العقليّة هي التي يبحث عنها في علم الأصول. ومن أجل هذا تدخل في باب الملازمات العقليّة.
الخلاصة
ومن جميع ما ذكرنا يتّضح أنّ المبحوث عنه في الملازمات العقليّة هو إثبات الكبريات العقليّة التي تقع في طريق إثبات الحكم الشرعيّ ، سواء كانت الصغرى عقليّة ، كما في المستقلاّت العقليّة ، أو شرعيّة ، كما في غير المستقلاّت العقليّة.
أمّا الصغرى : فدائما يبحث عنها في علم آخر غير علم الأصول ، كما أنّ الكبرى يبحث عنها في علم الأصول ، وهي (١) عبارة عن ملازمة حكم الشرع لشيء آخر بالملازمة العقليّة ، سواء كان ذلك الشيء الآخر حكما شرعيّا أم حكما عقليّا أم غيرهما. والنتيجة من
__________________
(١) أي الكبرى.