ثمّ اللفظ قد يكون مجملا عند شخص ، مبيّنا عند شخص آخر ، ثمّ المبيّن قد يكون في نفسه مبيّنا ، وقد يكون مبيّنا بكلام آخر يوضح المقصود منه.
٢. المواضع التي وقع الشكّ في إجمالها
لكلّ من المجمل والمبيّن أمثلة من الآيات والروايات والكلام العربيّ لا حصر لها ، ولا تخفى على العارف بالكلام. إلاّ أنّ بعض المواضع قد وقع الشكّ في كونها مجملة أو مبيّنة ، والمتعارف عند الأصوليّين أن يذكروا بعض الأمثلة من ذلك لشحذ الذهن والتمرين ، ونحن نذكر بعضها اتّباعا لهم ولا تخلو من فائدة للطلاّب المبتدئين.
فمنها : قوله (تعالى) : ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (١)﴾.
فقد ذهب جماعة (٢) إلى أنّ الآية من المجمل المتشابه ، إمّا من جهة لفظ «القطع» باعتبار أنّه يطلق على الإبانة ، ويطلق على الجرح كما يقال لمن جرح يده بالسكين : «قطعها» ، كما يقال لمن أبانها كذلك. وإمّا من جهة لفظ «اليد» باعتبار أنّ «اليد» تطلق على العضو المعروف كلّه ، وعلى الكفّ إلى أصول الأصابع ، وعلى العضو إلى الزند ، وإلى المرفق ، فيقال ـ مثلا ـ : «تناولت بيدي» ، وإنّما تناول بالكفّ بل بالأنامل فقط.
والحقّ أنّها من ناحية لفظ «القطع» ليست مجملة ؛ لأنّ المتبادر من لفظ «القطع» هو الإبانة والفصل ، وإذا أطلق على الجرح فباعتبار أنّه أبان قسما من اليد ، فتكون المسامحة في لفظ «اليد» عند وجود القرينة ، لا أنّ القطع استعمل في مفهوم الجرح ؛ فيكون المراد في المثال من اليد بعضها ، كما تقول : «تناولت بيدي» وفي الحقيقة إنّما تناولت ببعضها.
وأمّا من ناحية «اليد» فإنّ الظاهر أنّ اللفظ ـ لو خلّي ونفسه ـ يستفاد منه إرادة تمام العضو المخصوص ، ولكنّه غير مراد يقينا في الآية ، فيتردّد بين المراتب العديدة من الأصابع إلى المرفق ؛ لأنّه بعد فرض عدم إرادة تمام العضو لم تكن ظاهرة في واحدة من
__________________
(١) المائدة (٥) الآية : ٣٨.
(٢) وهي بعض الحنفيّة على ما في إرشاد الفحول : ١٧٠. وذهب السيّد المرتضى إلى إجماله من جهة لفظ اليد.
راجع الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٣٥٠.