٦. لا يجوز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص
لا شكّ في أنّ بعض عمومات القرآن الكريم والسنّة الشريفة ورد لها مخصّصات منفصلة شرحت المقصود من تلك العمومات. وهذا معلوم من طريقة صاحب الشريعة ، والائمّة الأطهار عليهمالسلام حتّى قيل : «ما من عامّ إلاّ وقد خصّ» (١). ولذا ورد عن ائمّتنا ذمّ من استبدّوا برأيهم في الأحكام ، لأنّ في الكتاب المجيد والسنّة عامّا وخاصّا ومطلقا ومقيّدا ، وهذه الأمور لا تعرف إلاّ من طريق آل البيت عليهمالسلام.
وهذا ما أوجب التوقّف في التسرّع بالأخذ بعموم العامّ قبل الفحص واليأس من وجود المخصّص ؛ لجواز أن يكون هذا العامّ من العمومات التي لها مخصّص موجود في السنّة أو في الكتاب لم يطّلع عليه من وصل إليه العامّ. وقد نقل عدم الخلاف ، بل الإجماع (٢) على عدم جواز الأخذ بالعامّ قبل الفحص واليأس. وهو الحقّ.
والسرّ في ذلك واضح لما قدّمناه ، لأنّه إذا كانت طريقة الشارع في بيان مقاصده أن يعتمد على القرائن المنفصلة لا يبقى اطمئنان بظهور العامّ في عمومه ، فإنّه يكون ظهورا بدويّا. وللشارع حجّة على المكلّف إذا قصّر في الفحص عن المخصّص.
أمّا إذا بذل وسعه وفحص عن المخصّص في مظانّه حتّى حصل له الاطمئنان بعدم وجوده ، فله الأخذ بظهور العامّ. وليس للشارع حجّة عليه فيما لو كان هناك مخصّص واقعا لم يتمكّن المكلّف من الوصول إليه عادة بالفحص ، بل للمكلّف أن يحتجّ فيقول : إنّي
__________________
(١) معالم الدين : ١٣٥ ؛ مطارح الأنظار : ١٩٢ ؛ كفاية الأصول : ٢٥٣ ـ ٢٥٤.
(٢) والناقل هو الغزاليّ في المستصفى ٢ : ١٥٧ : وابن الحاجب في منتهى الوصول والأمل : ١٤٤ ، وأبو إسحاق الشيرازيّ في اللمع : ٢٨.
وذهب بعض العامّة إلى جواز التمسّك بالعامّ قبل الفحص ، كالبيضاويّ والأرمويّ والصيرفيّ على ما في اللمع : ٢٨ ؛ وفواتح الرحموت (المطبوع بهامش المستصفى ١ : ٢٦٧) ، ونهاية السئول ٢ : ٤٠٣. وقيل : «أوّل من عنون المسألة أبو العباس بن سريج المتوفّى أوائل القرن الرابع ، وكان يقول بعدم الجواز. واستشكل عليه تلميذه أبو بكر الصيرفي بأنّه لو لم يجز ذلك لما جاز التمسّك بأصالة الحقيقة أيضا قبل الفحص عن قرينة المجاز». هذا منقول في نهاية الأصول : ٣١١.