٧. تعقيب العامّ بضمير يرجع إلى بعض أفراده
قد يرد عامّ ثمّ ترد بعده جملة فيها ضمير يرجع إلى بعض أفراد العامّ بقرينة خاصّة. مثل قوله (تعالى) : ﴿وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...﴾ إلى قوله : ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ﴾ (١) ؛ فإنّ «المطلّقات» عامّة للرجعيّات وغيرها ، ولكن الضمير في «بعولتهنّ» يراد به خصوص الرجعيّات. فمثل هذا الكلام يدور فيه الأمر بين مخالفتين للظاهر ، إمّا مخالفة ظهور العامّ في العموم ، بأن يجعل مخصوصا بالبعض الذي يرجع إليه الضمير ، وإمّا مخالفة ظهور الضمير في رجوعه إلى ما تقدّم عليه من المعنى الذي دلّ عليه اللفظ ، بأن يكون مستعملا على سبيل الاستخدام ، فيراد منه البعض ، والعامّ يبقى على دلالته على العموم ، فأيّ المخالفتين أولى؟ وقع الخلاف على أقوال ثلاثة :
الأوّل : أنّ أصالة العموم هي المقدّمة ، فيلتزم بالمخالفة الثانية (٢).
الثانى : أنّ أصالة عدم الاستخدام هي المقدّمة ، فيلتزم بالمخالفة الأولى (٣).
الثالث : عدم جريان الأصلين معا ، والرجوع إلى الأصول العمليّة. أمّا عدم جريان أصالة العموم فلوجود ما يصلح أن يكون قرينة في الكلام ، وهو عود الضمير إلى البعض ، فلا ينعقد ظهور العامّ في العموم. وأمّا أنّ أصالة عدم الاستخدام لا تجري فلأنّ الأصول اللفظيّة يشترط في جريانها ـ كما سبق أوّل الكتاب ـ أن يكون الشكّ في مراد المتكلّم ، فلو كان المراد معلوما ـ كما في المقام ـ وكان الشكّ في كيفيّة الاستعمال ، فلا تجري قطعا (٤).
والحقّ أن أصالة العموم جارية ولا مانع منها ؛ لأنّا ننكر أن يكون عود الضمير إلى بعض
__________________
(١) البقرة (٢) : الآية : ٢٢٨.
(٢) هذا ما ذهب إليه صاحب الفصول والشيخ الأنصاريّ والمحقّق النائينيّ. راجع الفصول الغرويّة : ٢١١ ؛ مطارح الأنظار : ٢٠٧ ؛ فوائد الأصول ٢ : ٥٥٢ ـ ٥٥٣.
(٣) ذهب إليه السيّد المحقّق الخوئي في المحاضرات ٥ : ٢٨٨ ـ ٢٩١.
(٤) هذا ما اختاره المحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٢٧١ ـ ٢٧٢.