لأجل القول بجواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، ولعلّ لها وجها آخر ليس المقام محلّ ذكره (١).
تنبيه : في جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة إذا كان المخصّص لبّيّا
المقصود من المخصّص اللبّي ما يقابل اللفظيّ ، كالإجماع ودليل العقل اللذين هما دليلان وليسا من نوع الألفاظ. فقد نسب إلى الشيخ المحقّق الأنصاريّ قدسسره جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة مطلقا إذا كان المخصّص لبيّا (٢). وتبعه جماعة من المتأخّرين عنه (٣).
وذهب المحقّق شيخ أساتذتنا (صاحب الكفاية قدسسره) إلى التفصيل بين ما إذا كان المخصّص اللبّيّ ممّا يصحّ أن يتّكل عليه المتكلّم في بيان مراده بأن كان عقليّا ضروريّا ؛ فإنّه يكون كالمتّصل ، فلا ينعقد للعامّ ظهور في العموم ، فلا مجال للتمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، وبين ما إذا لم يكن كذلك ، كما إذا لم يكن التخصيص ضروريّا على وجه يصحّ أن يتّكل عليه المتكلّم ، فإنّه لا مانع من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ؛ لبقاء العامّ على ظهوره ، وهو حجّة بلا مزاحم.
واستشهد على ذلك بما ذكره من الطريقة المعروفة ، والسيرة المستمرّة المألوفة بين العقلاء ، كما إذا أمر المولى منهم عبده بإكرام جيرانه ، وحصل القطع للعبد بأنّ المولى لا يريد إكرام من كان عدوّا له من الجيران فإنّ العبد ليس له ألاّ يكرم من يشكّ في عداوته ،
__________________
(١) وإن شئت فراجع فوائد الأصول ٢ : ٥٢٩.
(٢) نسب إليه في فوائد الأصول ٢ : ٥٣٦ ، والمحاضرات ٥ : ١٩٦. ولكن قال المحقّق البروجرديّ : «فقد ظهر لك أنّ الشيخ رحمهالله لم يفرق بين اللفظيّ واللبيّ بما هما كذلك» نهاية الأصول : ٢٨٩. والحقّ معه ، فإنّ الشيخ الأنصاريّ قال : «إنّ التخصيص تارة يوجب تعدّد الموضوعين ، وأخرى لا يوجب ذلك ، فعلى الأوّل لا وجه لتحكيم العامّ وأغلب ما يكون ذلك إنّما هو في التخصيصات اللفظيّة ، وعلى الثاني يجب تحكيم العامّ وأغلب ما يكون إنّما هو في التخصيصات اللبّيّة» انتهى ملخّصا. مطارح الأنظار : ١٩٤.
(٣) تبعه في ذلك ـ كما سيأتى في المتن ـ المحقّق الخراسانيّ لا مطلقا ، بل بالقياس إلى خصوص المخصّص اللبّيّ الذي لا يصحّ أن يتّكل عليه المتكلّم في بيان مراده. راجع كفاية الأصول : ٢٥٩.