وهو نظير ما قلناه في المخصّص المنفصل في الشبهة المفهوميّة عند الدوران بين الأقلّ والأكثر.
والحقّ عدم جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة في المتّصل والمنفصل معا.
ودليلنا على ذلك : أنّ المخصّص لمّا كان حجّة أقوى من العامّ ، فإنّه موجب لقصر حكم العامّ على باقي أفراده ، ورافع لحجّيّة العامّ في بعض مدلوله. والفرد المشكوك مردّد بين دخوله فيما كان العامّ حجّة فيه وبين خروجه عنه ، مع عدم دلالة العامّ على دخوله فيما هو حجّة فيه ، فلا يكون العامّ حجّة فيه بلا مزاحم ، كما قيل في دليلهم. ولئن كان انطباق عنوان العامّ عليه معلوما فليس هو معلوم الانطباق عليه بما هو حجّة.
والحاصل أنّ هناك عندنا حجّتين معلومتين حسب الفرض : إحداهما : العامّ ، وهو حجّة فيما عدا الخاصّ. وثانيتهما : المخصّص ، وهو حجّة في مدلوله. والمشتبه مردّد بين دخوله في تلك الحجّة أو هذه الحجّة.
وبهذا يظهر الفرق بين الشبهة المصداقيّة وبين الشبهة المفهوميّة في المنفصل عند الدوران بين الأقلّ والأكثر. فإنّ الخاصّ في الشبهة المفهوميّة ليس حجّة إلاّ في الأقلّ ، والزائد المشكوك ليس مشكوك الدخول فيما كان الخاصّ معلوم الحجّيّة فيه ، بل الخاصّ مشكوك أنّه جعل حجّة فيه أم لا. ومشكوك الحجّيّة في شيء ليس بحجّة ـ قطعا ـ في ذلك الشيء. (١) وأمّا العامّ فهو حجّة إلاّ فيما كان الخاصّ حجّة فيه. وعليه ، لا يكون الأكثر مردّدا بين دخوله في تلك الحجّة أو هذه الحجّة ، كالمصداق المردّد ، بل هو معلوم أنّ الخاصّ ليس حجّة فيه لمكان الشكّ ، فلا يزاحم حجّيّة العامّ فيه.
وأمّا فتوى المشهور بالضمان في اليد المشكوكة أنّها يد عادية أو يد أمانة ، فلا يعلم أنّها
__________________
(١) سيأتي في «مباحث الحجّة» أنّ قوام حجّيّة الشيء بالعلم ؛ لأنّه إنّما يكون الشيء صالحا لأن يحتجّ به المولى على العبد إذا كان واصلا إليه بالعلم ، فالعلم مأخوذ في موضوع الحجّة فعند الشك في حجّيّة شيء يرتفع موضوعها ، فيعلم بعدم حجّيّته. ومعنى الشك في حجّيته احتمال أنّه نصبه الشارع حجّة واقعا على تقدير وصوله. وحيث لم يصل ، يقطع بعدم حجّيته فعلا فيزول ذلك الاحتمال البدويّ عند الالتفات إلى ذلك ، لا أنّه حين الشكّ في الحجّيّة يقطع بعدم الحجّيّة وإلاّ للزم اجتماع الشك والقطع بشيء واحد في آن واحد ، وهو محال. ـ منه رحمهالله ـ.