ثمّ هذا التخيير الشرعيّ تارة يكون بين المتباينين ، كالمثال المتقدّم ، وأخرى بين الأقلّ والأكثر ، كالتخيير بين تسبيحة واحدة وثلاث تسبيحات (١) في ثلاثيّة الصلاة اليوميّة ورباعيّتها على قول (٢). وكما لو أمر المولى برسم خطّ مستقيم ـ مثلا ـ مخيّرا فيه بين القصير والطويل.
وهذا الأخير ـ أعني التخيير بين الأقلّ والأكثر ـ إنّما يتصوّر فيما إذا كان الغرض مترتّبا على الأقلّ بحدّه ، ويترتّب على الأكثر بحدّه أيضا ، أمّا لو كان الغرض مترتّبا على الأقلّ مطلقا وإن وقع في ضمن الأكثر فالواجب حينئذ هو الأقلّ فقط ، ولا تكون الزيادة واجبة ، فلا يكون من باب الواجب التخييريّ ، بل الزيادة لا بدّ أن تحمل على الاستحباب.
٥. العينيّ والكفائيّ :
تقدّم أنّ الواجب العينيّ «ما يتعلّق بكلّ مكلّف ولا يسقط بفعل الغير (٣)» ، ويقابله الواجب الكفائيّ وهو «المطلوب فيه وجود الفعل من أيّ مكلّف كان» ، فهو يجب على جميع المكلّفين ، ولكن يكتفى بفعل بعضهم ، فيسقط عن الآخرين ولا يستحقّ العقاب بتركه. نعم ، إذا تركوه جميعا من دون أن يقوم به واحد ، فالجميع منهم يستحقّون العقاب ، كما يستحقّ الثواب كلّ من اشترك في فعله.
وأمثلة الواجب الكفائيّ كثيرة في الشريعة : منها : تجهيز الميّت والصلاة عليه ؛ ومنها : إنقاذ الغريق ونحوه من التهلكة ؛ ومنها : إزالة النجاسة عن المسجد ؛ ومنها : الحرف والمهن والصناعات التي بها نظام معايش الناس ؛ ومنها : طلب الاجتهاد ؛ ومنها : الأمر بالمعروف
__________________
(١) أي التخيير بين إتيان التسبيحات الأربعة مرّة واحدة ، وبين إتيانها ثلاث مرّات. فالمراد هو التخيير بين الأربع والاثني عشر.
(٢) والقائل ـ على ما في الجواهر ـ جماعة من القدماء كالكليني والصدوق والشيخين وكثير من المتأخّرين. راجع جواهر الكلام ١٠ : ٣٤ ـ ٣٥.
(٣) تقدّم في الصفحة : ٩٠.