والواجب التخييريّ : «ما كان له عدل وبديل في عرضه ، ولم يتعلّق به الطلب بخصوصه ، بل كان المطلوب هو أو غيره ، يتخيّر بينهما المكلّف». وهو كالصوم الواجب في كفّارة إفطار شهر رمضان عمدا ، فإنّه واجب ، ولكن يجوز تركه وتبديله بعتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا.
والأصل في هذا التقسيم أنّ غرض المولى ربّما يتعلّق بشيء معيّن ، فإنّه لا مناص حينئذ من أن يكون هو المطلوب والمبعوث إليه وحده ، فيكون «واجبا تعيينيّا». وربّما يتعلّق غرضه بأحد شيئين أو أشياء لا على التعيين ، بمعنى أنّ كلاّ منها محصّل لغرضه ، فيكون البعث نحوها جميعا على نحو التخيير بينها. وكلا القسمين واقع في إرادتنا نحن أيضا ، فلا وجه للإشكال في إمكان الواجب التخييريّ ، ولا موجب لإطالة الكلام (١).
ثمّ إنّ أطراف الواجب التخييريّ إن كان بينها جامع يمكن التعبير عنه بلفظ واحد ، فإنّه يمكن أن يكون البعث في مقام الطلب نحو هذا الجامع ، فإذا وقع الطلب كذلك فإنّ التخيير حينئذ بين الأطراف يسمّى «عقليّا» ، وهو ليس من الواجب التخييريّ المبحوث عنه ، فإنّ هذا يعدّ من الواجب التعيينيّ ، فإنّ كلّ واجب تعيينيّ كلّيّ يكون المكلّف مخيّرا عقلا بين أفراده ، والتخيير يسمّى حينئذ «عقليّا». مثاله قول الأستاذ لتلميذه : «اشتر قلما» الجامع بين أنواع الأقلام من قلم الحبر وقلم الرصاص وغيرهما (٢) ، فإنّ التخيير بين هذه الأنواع يكون عقليّا ، كما أنّ التخيير بين أفراد كلّ نوع يكون عقليّا أيضا.
وإن لم يكن هناك جامع مثل ذلك ، كما في مثال خصال الكفّارة ، فإنّ البعث إمّا أن يكون نحو عنوان انتزاعيّ كعنوان «أحد هذه الأمور» ، أو نحو كلّ واحد منها مستقلاّ ، ولكن مع العطف بـ «أو» ونحوها ممّا يدلّ على التخيير ، فيقال في النحو الأوّل مثلا : «أوجد أحد هذه الأمور». ويقال في النحو الثاني مثلا : «صم» أو «أطعم» أو «أعتق». ويسمّى حينئذ التخيير بين الأطراف «شرعيّا» ، وهو المقصود من التخيير المقابل للتعيين هنا.
__________________
(١) ومن أراد التفصيل فليراجع فوائد الأصول ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٦ ، والمحاضرات ٤ : ٤٠.
(٢) وفى س : مثاله قول الطبيب : «اشرب مسهلا» الجامع بين أنواع المسهل من زيت الخروع والملح الأفرنكي وغيرهما.