النتيجة
وإذا عرفنا هذه المقدّمات يحسن بنا أن نرجع إلى صلب الموضوع ، فنقول : قد اختلف الأصوليّون في أنّ الأصل في الواجب ـ إذا شكّ في كونه تعبّديّا أو توصّليّا ـ هل إنّه تعبّدي أو توصّليّ؟
ذهب جماعة (١) إلى أنّ الأصل في الواجبات أن تكون عباديّة إلاّ أن يقوم دليل خاصّ على عدم دخل قصد القربة في المأمور به ؛ لأنّه لا بدّ من الإتيان به تحصيلا للفراغ اليقينيّ مع عدم الدليل على الاكتفاء بدونه ، ولا يمكن التمسّك بالإطلاق لنفيه حسب الفرض. وقد تقدّم ذلك في الأمر الأوّل. فتكون أصالة الاحتياط هي المرجع هنا وهي تقتضي العباديّة.
وذهب جماعة (٢) إلى أنّ الأصل في الواجبات أن تكون توصّليّة ، لا لأجل التمسّك بأصالة الإطلاق في نفس الأمر (٣) ، ولا لأجل أصالة البراءة من اعتبار قيد القربة (٤) ، بل نتمسّك لذلك بإطلاق المقام (٥).
توضيح ذلك أنّه لا ريب في أنّ المأمور به إطلاقا وتقييدا يتبع الغرض سعة وضيقا ، فإن كان القيد دخيلا في الغرض فلا بدّ من بيانه وأخذه في المأمور به قيدا ، وإلاّ فلا.
غير أنّ ذلك فيما يمكن أخذه من القيود في المأمور به ـ كما في التقسيمات الأوّليّة ـ أمّا : ما لا يمكن أخذه في المأمور به قيدا ـ كالذي نحن فيه وهو قيد قصد الامتثال ـ فلا يصحّ من الآمر أن يتغافل عنه حيث لا يمكن أخذه قيدا في الكلام الواحد المتضمّن للأمر ، بل لا مناص له عن اتّباع طريقة أخرى ممكنة لاستيفاء غرضه ، ولو بإنشاء أمرين : أحدهما يتعلّق بذات الفعل مجرّدا عن القيد ، والثاني يتعلّق بالقيد ، مثلا لو فرض أنّ غرض
__________________
(١) منهم : صاحب الكفاية. راجع كفاية الأصول : ٩٨.
(٢) ومنهم : الشيخ الأعظم الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٦١.
(٣) حتى يرد عليه ما أورده الشيخ الأعظم الأنصاريّ من أنّ القيد ممّا لا يتحقّق إلاّ بعد الأمر. راجع مطارح الأنظار : ٦٠.
(٤) احتجّ بها على التوصّليّة المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٢ : ١٩٣.
(٥) كما أشار إليه المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٩٨ ـ ٩٩.