ولم يمكن له بيانه فلا محالة يرجع ذلك إلى الشكّ في سقوط الأمر إذا خلا المأتيّ به من ذلك القيد المشكوك. وعند الشكّ في سقوط الأمر ـ أي في امتثاله ـ يحكم العقل بلزوم الإتيان به مع القيد المشكوك كيما يحصل له العلم بفراغ ذمّته من التكليف ؛ لأنّه إذا اشتغلت الذمّة بواجب يقينا فلا بدّ من إحراز الفراغ منه في حكم العقل. وهذا معنى ما اشتهر في لسان الأصوليّين من قولهم : «الاشتغال اليقينيّ يستدعي الفراغ اليقينيّ». وهذا ما يسمّى عندهم بـ «أصل الاشتغال» أو «أصالة الاحتياط».
ب. محلّ الخلاف من وجوب قصد القربة
إنّ محلّ الخلاف في المقام هو إمكان أخذ قصد امتثال الأمر في المأمور به. وأمّا غير قصد الامتثال من وجوه قصد القربة ، كقصد محبوبيّة الفعل المأمور به الذاتيّة باعتبار أنّ كلّ مأمور به لا بدّ أن يكون محبوبا للآمر ، ومرغوبا فيه عنده ، وكقصد التقرّب إلى الله (تعالى) محضا بالفعل لا من جهة قصد امتثال أمره ، بل رجاء لرضاه ، ونحو ذلك من وجوه قصد القربة ، فإنّ كلّ هذه الوجوه لا مانع قطعا من أخذها قيدا للمأمور به ، ولا يلزم المحال الذي ذكروه في أخذ قصد الامتثال (١) على ما سيأتي.
ولكنّ الشأن في أنّ هذه الوجوه هل هي مأخوذة في المأمور به فعلا على نحو لا تكون العبادة عبادة إلاّ بها؟ الحقّ أنّه لم يؤخذ شيء منها في المأمور به.
والدليل على ذلك ما نجده من الاتّفاق على صحّة العبادة ـ كالصلاة مثلا ـ إذا أتي بها بداعي أمرها مع عدم قصد الوجوه الأخرى. ولو كان غير قصد الامتثال من وجوه القربة مأخوذا في المأمور به لما صحّت العبادة ، ولما سقط أمرها بمجرّد الإتيان بداعي أمرها بدون قصد ذلك الوجه.
فالخلاف ـ إذن ـ منحصر في إمكان أخذ قصد الامتثال واستحالته.
__________________
(١) هذا ما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٩٧. وأمّا المحقّق النائينيّ فذهب إلى امتناع أخذ سائر الدواعي القربيّة أيضا في متعلّق الأمر ، ودليله جريان المحاذير المذكورة في أخذ قصد الامتثال هنا. فراجع فوائد الأصول ١ : ١٥١.