١٤. الحقيقة الشرعيّة
لا شكّ في أنّا ـ نحن المسلمين ـ نفهم من بعض الألفاظ المخصوصة ، كالصلاة والصوم ونحوهما ، معاني خاصّة شرعيّة ، ونجزم بأنّ هذه المعاني حادثة لم يكن يعرفها أهل اللغة العربيّة قبل الإسلام ، وإنّما نقلت تلك الألفاظ من معانيها اللغوية إلى هذه المعاني الشرعيّة.
هذا لا شكّ فيه ، ولكنّ الشكّ وقع عند الباحثين في أنّ هذا النقل وقع في عصر الشارع المقدّس على نحو الوضع التعييني أو التعيّني ، فتثبت الحقيقة الشرعيّة ، أو أنّه وقع في عصر بعده على لسان أتباعه المتشرّعة ، فلا تثبت الحقيقة الشرعيّة ، بل الحقيقة المتشرعيّة؟.
والفائدة من هذا النزاع تظهر في الألفاظ الواردة في كلام الشارع مجرّدة عن القرينة ، سواء كانت في القرآن الكريم أم السنّة. فعلى القول الأوّل يجب حملها على المعاني الشرعيّة ، وعلى الثاني تحمل على المعاني اللغويّة ، أو يتوقّف فيها فلا تحمل على المعاني الشرعيّة ولا على اللغويّة ، بناء على رأي من يذهب إلى التوقّف فيما إذا دار الأمر بين المعنى الحقيقيّ وبين المجاز المشهور (١) ؛ إذ من المعلوم أنّه إذا لم تثبت الحقيقة الشرعيّة فهذه المعاني المستحدثة تكون ـ على الأقلّ ـ مجازا مشهورا في زمانه صلىاللهعليهوآله.
والتحقيق في المسألة أن يقال : إنّ نقل تلك الألفاظ إلى المعاني المستحدثة إمّا بالوضع التعيينيّ أو التعيّنيّ :
أمّا الأوّل : فهو مقطوع العدم ؛ لأنّه لو كان لنقل إلينا بالتواتر ، أو بالآحاد على الأقلّ ؛ لعدم الداعي إلى الإخفاء ، بل الدواعي متظافرة على نقله ، مع أنّه لم ينقل ذلك أبدا.
وأمّا الثاني : فهو ممّا لا ريب فيه بالنسبة إلى زمان إمامنا أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ لأنّ اللفظ إذا استعمل في معنى خاصّ في لسان جماعة كثيرة زمانا معتدّا به ـ لا سيّما إذا كان المعنى جديدا ـ يصبح حقيقة فيه بكثرة الاستعمال ، فكيف إذا كان ذلك عند المسلمين قاطبة في سنين متمادية؟! فلا بدّ ـ إذن ـ من حمل تلك الألفاظ على المعاني المستحدثة فيما إذا
__________________
(١) القول بالتوقّف فيما إذا دار الأمر بين المعنى الحقيقيّ وبين المجاز المشهور منسوب إلى المشهور ، كما نسبه إليهم المحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية ١ : ٥٦.