استعمال اللفظ في أكثر من معنى
ولا شكّ في جواز استعمال اللفظ المشترك في أحد معانيه بمعونة القرينة المعيّنة ، وعلى تقدير عدم القرينة يكون اللفظ مجملا لا دلالة له على أحد معانيه.
كما لا شبهة في جواز استعماله في مجموع معانيه بما هو مجموع المعاني ، غاية الأمر يكون هذا الاستعمال مجازا يحتاج إلى القرينة ؛ لأنّه استعمال للّفظ في غير ما وضع له.
وإنّما وقع البحث والخلاف في جواز إرادة أكثر من معنى واحد من المشترك في استعمال واحد ، على أن يكون كلّ من المعاني مرادا من اللفظ على حدة ، وكأنّ اللفظ قد جعل للدلالة عليه وحده.
وللعلماء في ذلك أقوال وتفصيلات كثيرة لا يهمّنا الآن التعرّض لها (١). وإنّما الحقّ عندنا عدم جواز مثل هذا الاستعمال.
الدليل أنّ استعمال أيّ لفظ في معنى إنّما هو بمعنى إيجاد ذلك المعنى باللفظ ، لكن لا بوجوده الحقيقيّ ، بل بوجوده الجعليّ التنزيليّ ؛ لأنّ وجود اللفظ وجود للمعنى تنزيلا.
فهو وجود واحد ينسب إلى اللفظ حقيقة أوّلا وبالذات ، وإلى المعنى تنزيلا ثانيا وبالعرض (٢) ، فإذا أوجد المتكلّم اللفظ لأجل استعماله في المعنى فكأنّما أوجد المعنى وألقاه بنفسه إلى المخاطب. فلذلك يكون اللفظ ملحوظا للمتكلّم بل للسامع آلة وطريقا للمعنى ، وفانيا فيه ، وتبعا للحاظه ، والملحوظ بالأصالة والاستقلال هو المعنى نفسه.
وهذا نظير الصورة في المرآة ؛ فإنّ الصورة موجودة بوجود المرآة ، والوجود الحقيقيّ للمرآة ، وهذا الوجود نفسه ينسب إلى الصورة ثانيا وبالعرض. فإذا نظر الناظر إلى الصورة في المرآة فإنّما ينظر إليها بطريق المرآة بنظرة واحدة هي للصورة بالاستقلال والأصالة ، وللمرآة بالآليّة والتبع ، فتكون المرآة كاللفظ ملحوظة تبعا للحاظ الصورة ، وفانية فيها فناء
__________________
(١) ومن أرادها فليراجع معالم الدين : ٣٢ ـ ٣٤ ؛ بدائع الأفكار «الرشتي» : ١٦٣ ؛ وكفاية الأصول : ٥٣ ؛ مقالات الأصول ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ؛ فوائد الأصول ١ : ٥١ ؛ مناهج الوصول ١ : ١٨ ؛ المحاضرات ١ : ٢١٠.
(٢) راجع عن توضيح الوجود اللفظي للمعنى الجزء الأوّل من المنطق : ٣٠ من الطبعة الثانية للمؤلّف.